" صفحة رقم ٦٨ "
لأمة رسول الله ( ﷺ ) ). وقال ابن عطية : القراءة بياء الغيبة تعطي أن الآية من كلام الهدهد، وبتاء الخطاب تعطي أنها من خطاب الله عز وجل لأمة محمد ( ﷺ ) ).
وقال صاحب الغنيان : لما ذكر الهدهد عرش بلقيس ووصفه بالعظم، رد الله عز وجل عليه وبين أن عرشه تعالى هو الموصوف بهذه الصفة على الحقيقة، إذ لا يستحق عرش دونه أن يوصف بالعظمة. وقيل : إنه من تمام كلام الهدهد، كأنه استدرك ورد العظمة من عرش بلقيس إلى عرش الله. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف سوى الهدهد بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف بالعظم ؟ قلت : بين الوصفين فرق، لأن وصف عرشها بالعظم تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك، ووصف عرش الله بالعظم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض. انتهى. وقرأ ابن محيصن وجماعة : العظيم بالرفع، فاحتمل أن تكون صفة للعرش، وقطع على إضمار هو على سبيل المدح، فتستوي قراءته وقراءة الجمهور في المعنى. واحتمل أن تكون صفة للرب، وخص العرش بالذكر، لأنه أعظم المخلوقات، وما عداه في ضمنه.
ولما فرغ الهدهد من كلامه، وأبدى عذره في غيبته، أخر سليمان أمره إلى أن يتبين له صدقه من كذبه فقال :) سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ ( في أخبارك أم كذبت. والنظر هنا : التأمل والتصفح، وأصدقت : جملة معلق عنها سننظر، وهي في موضع نصب على إسقاط حرف الجر، لأن نظر، بمعنى التأمل والتفكر، إنما يتعدى بحرف الجر الذي هو في. وعادل بين الجملتين بأم، ولم يكن التركيب أم كذبت، لأن قوله :) أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( أبلغ في نسبة الكذب إليه، لأن كونه من الكاذبين يدل على أنه معروف بالكذب، سابق له هذا الوصف قبل الإخبار بما أخبر به. وإذا كان قد سبق له الوصف بالكذب، كان متهماً فيما أخبر به، بخلاف من يظن ابتداء كذبه فيما أخبر به. وفي الكلام حذف تقديره : فأمر بكتابة كتاب إليهم، وبذهاب الهدهد رسولاً إليهم بالكتاب، فقال :) اذْهَب بّكِتَابِى هَاذَا ( : أي الحاضر المكتوب الآن. ) فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ( : أي تنح عنهم إلى مكان قريب، بحيث تسمع ما يصدر منهم وما يرجع به بعضهم إلى بعض من القول.
وفي قوله :) اذْهَب بّكِتَابِى هَاذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ( دليل على إرسال الكتب إلى المشركين من الإمام، يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى ازسلام. وقد كتب رسول الله ( ﷺ ) ) إلى كسرى وقيصر وغيرهما ملوك العرب. وقال وهب : أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدّب به الملوك، بمعنى : وكن قريباً بحيث تسمع مراجعاتهم. وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه، أي ألقه وارجع. قال : وقوله :) فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ( في معنى التقديم على قوله :) ثُمَّ أَغْنَتْ عَنْهُمْ ). انتهى. وقاله أبو علي، ولا ضرورة تدعو إلى التقديم والتأخير، بل الظاهر أن النظر معتقب التولي عنهم. وقرىء في السبعة : فألقه، بكسر الهاء وياء بعدها، وباختلاس الكسرة وبسكون الهاء. وقرأ مسلم بن جندب : بضم الهاء وواو بعدها، وجمع في قوله :) إِلَيْهِمُ ( الهدهد قال :) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا ). وفي الكتاب أيضاً ضمير الجمع في قوله :) أَن لا تَعْلُواْ عَلَىَّ (، والكتاب كان فيه الدعاء إلى الإسلام لبلقيس وقومها. ومعنى :) فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ( : أي تأمل واستحضره في ذهنك. وقيل معناه : فانتظر. ماذا : إن كان معنى فانظر معنى التأمل بالفكر، كان انظر معلقاً، وماذا : إما كلمة استفهام في موضع نصب، وإما أن تكون ما استفهاماً وذا موصول بمعنى الذي. فعلى الأول يكون يرجعون خبراً عن ماذا، وعلى الثاني يكون ذا هو الخبر ويرجعون صلة ذا. وإن كان معنى فانظر : فانتظر، فليس فعل قلب فيعلق، بل يكون ماذا كله موصولاً بمعنى الذي، أي فانتظر الذي يرجعون، والمعنى : فانظر ماذا يرجعون حتى ترد إلى ما يرجعون من القول.
( قَالَتْ ياأَيُّهَا أَيُّهَا الْمَلا إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَن لا تَعْلُواْ عَلَىَّ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ قَالَتْ ياأَيُّهَا الْمَلاَ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالاْمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذالِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا ءاتَانِى اللَّهُ خَيْرٌ مّمَّا ءاتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا أَذِلَّة