" صفحة رقم ٧١ "
والمفرد والمذكر والمؤنث. وقرأ عبد الله : فلما جاءوا، قرأ : ارجعوا، جعله عائداً على قوله :) الْمُرْسَلُونَ ). و ) أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ( : استفهام إنكار واستقلال، وفي ذلك دلالة على عزوفه عن الدنيا، وعدم تعلق قلبه عليه الصلاة والسلام بها.
ثم ذكر نعمة الله عليه، وإن ما آتاه الله من النبوة وسعة الملك خير مما آتاكم، بل أنتم بما يهدى إليكم تفرحون بحبكم الدنيا، والهدية تصح إضافتها إلى المهدي وإلى المهدي إليه، وهي هنا مضافة للمهدي إليه، وهذا هو الظاهر. ويجوز أن تكون مضافة إلى المهدي، أي بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك، فإنكم قدرتم على إهداء مثلها. ويجوز أن تكون عبارة عن الرد، كأنه قال : بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها. وقرأ جمهور السبعة : أتمدونني، بنونين، وأثبت بعض الياء. وقرأ حمزة : بإدغام نون الرفع في نون الوقاية وإثبات ياء المتكلم. وقرأ المسيبي، عن نافع : بنون واحدة خفيفة. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين قولك : أتمدونني بمال وأنا أغني منكم، وبين أن يقوله بالفاء ؟ قلت : إذا قلته بالواو، فقد جعلت مخاطبي عالماً بزيادتي عليه في الغنى، وهو مع ذلك يمدني بالمال، وإذا قلته بالفاء، فقد جعلته ممن خفيت عنه حالي، وأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده، كأني أقول له : أنكر عليك ما فعلت، فإني غني عنه وعليه. ورد قوله :) فَمَا ءاتَانِى اللَّهُ ). فإن قلت : فما وجه الإضراب ؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضاً ولا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها. انتهى.
( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ( : هو خطاب للرسول الذي جاء بالهدية، وهو المنذر بن عمرو أمير الوفد، والمعنى : ارجع إليهم بهديتهم، وتقدمت قراءة عبد الله : ارجعوا إليهم، وارجعوا هنا لا تتعدى، أي انقلبوا وانصرفوا إليهم. وقيل : الخطاب بقوله : ارجع، للهدهد محملاً كتاباً آخر. ثم أقسم سليمان فقال :) فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ (، متوعداً لهم، وفيه حذف، أي إن لم يأتوني مسلمين. ودل هذا التوعد على أنهم كانوا كفاراً باقين على الكفر إذ ذاك. والضمير في ) بِهَا ( عائد على الجنود، وهو جمع تكسير، فيجوز أن يعود الضمير عليه، كما يعود على الواحدة، كما قالت العرب : الرجال وأعضادها. وقرأ عبد الله : بهم. ومعنى ) لاَّ قِبَلَ ( : لا طاقة، وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة، أي لا تقدرون أن تقابلوهم. والضمير في منها عائد على سبأ، وهي أرض بلقيس وقومها. وانتصب ) أَذِلَّةٍ ( على الحال. ) وَهُمْ صَاغِرُونَ ( : حال أخرى. والذل : ذهاب ما كانوا فيه من العز، والصغار : وقوعهم في أسر واستعباد، ولا يقتصر بهم على أن يرجعوا سوقة بعد أن كانوا ملوكاً. وفي مجيء هاتين الحالتين دليل على جواز أن يقضي العامل حالين الذي حال واحد، وهي مسألة خلاف، ويمكن أن يقال : إن الثانية هنا جاءت توكيداً لقوله :) أَذِلَّةٍ (، فكأنهما حال واحدة.
( قَالَ يَاءادَمُ أَيُّهَا الْمَلاَ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الْجِنّ أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ ).
في الكلام حذف تقديره : فرجع المرسل إليها بالهدية، وأخبرها بما أقسم عليه سليمان، فتجهزت للمسير إليه، إذ علمت أنه نبي ولا طاقة لها بقتال نبي. فروي أنها أمرت عند خروجها إلى سليمان، فجعل عرشها في آخر سبعة أبيات، بعضها في جوف بعض، في آخر قصر من قصورها، وغلقت الأبواب ووكلت به حراساً يحفظونه، وتوجهت إلى سليمان في


الصفحة التالية
Icon