" صفحة رقم ٨٥ "
السبب نسبة فعل المسبب إليه، بين تعالى اختصاصه بذلك بطريق الالتفات وتأكيد ذلك بقوله :) مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ). ألا ترى أن المتسبب لذلك قد لا يأتي على وفق مراده ؟ ولو أتى فهو جاهل بطبعه ومقداره وكيفيته، فكيف يكون فاعلاً لها ؟ والبهجة : الجمال والنضرة والحسن، لأن الناظر فيها يبتهج، أي يسر ويفرح. وقرأ الجمهور :) ذَاتُ (، بالإفراد، ( بَهْجَةٍ (، بسكون الهاء، وجمع التكسير يجري في الوصف مجرى الواحدة، كقوله :) أَزْواجٌ مُّطَهَّرَةٌ (، وهو على معنى جماعة. وقرأ ابن أبي عبلة، ذوات، بالجمع، بهجة بتحريك الهاء بالفتح.
( مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ( : قد تقدم أن نفي مثل هذه الكينونة قد يكون ذلك لاستحالة وقوعه كهذا، أو لامتناع وقوعه شرعاً، أو لنفي الأولوية. والمعنى هنا : أن إنبات منكم محال، لأنه إبراز شيء من العدم إلى الوجود، وهذا ليس بمقدور إلا لله تعالى. ولما ذكر منته عليهم، خاطبهم بذلك ؛ ثم لما ذكر ذمّهم، عدل من الخطاب إلى الغيبة فقال :) بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (، إما التفاتاً، وإما إخباراً للرسول ( ﷺ ) ) بحالهم، أي يعدلون عن الحق، أو يعدلون به غيره، أي يجعلون له عديلاً ومثيلاً. وقرىء : إلهاً، بالنصب، بمعنى : أتدعون أو أتشركون ؟ وقرىء : أإله، بتخفيف الهمزتين وتليين الثانية، والفصل بينهما بألف. ولما ذكر تعالى أنه منشىء السموات والأرض، ذكر شيئاً مشتركاً بين السماء والأرض، وهو إنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق بالأرض، ذكر شيئاً مختصاً بالأرض، وهو جعلها قراراً، أي مستقراً لكم، بحيث يمكنكم الإقامة بها والاستقرار عليها، ولا يديرها الفلك، قيل : لأنها مضمحلة في جنب الفلك، كالنقطة في الرحى.
( وَجَعَلَ خِلاَلَهَا ( : أي بين أماكنها، في شعابها وأوديتها، ( أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ ( : أي جبالا ثوابت حتى لا تتكفأ بكم وتميد. والبحران : العذب والملح، والحاجز : الفاصل، من قدرته تعالى، قاله الضحاك. وقال مجاهد : بحر السماء والأرض، والحاجز من الهواء. وقال الحسن : بحر فارس والروم، وقال السدّي : بحر العراق والشام، والحاجز من الأرض. قال ابن عطية : مختاراً لهذا القول في الحاجز : هو ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها، على رقتها في بعض المواضع، ولطافتها التي لولا قدرته لبلع الملح العذب. وكان ابن عطية قد قدم أن البحرين : العذب بجملته، والماء الأجاج بجملته ؛ ولما كانت كل واحدة منه عظيمة مستقلة، تكرر فيها العامل في قوله :) وَجَعَلَ (، فكانت من عطف الجمل المستقل كل واحدة منها بالامتنان، ولم يشرك في عامل واحد فيكون من عطف المفردات. ولأبي عبد الله الرازي في ذكر هذه الامتنانات الأربع كلام من علم الطبيعة، والحكماء على زعمه، خارج عن مذاهب العرب، يوقف عليه في كتابه. والمضطر : اسم مفعول، وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو حادث من حوادث الدهر إلى الالتجاء إلى الله والتضرع إليه، فيدعوه لكشف ما اعتراه من ذلك وإزالته عنه. وقال ابن عباس : هو المجهود. وقال السدّي : هو الذي لا حول ولا قوة له. وقيل : هو المذنب إذا استغفر، وإجابته إياه مقرونة بمشيئته تعالى، فليس كل مضطر دعا يجيبه الله في كشف ما به. وقال الزمخشري : الإجابة موقوفة على أن يكون المدعو به مصلحة، ولهذا لا يحسن الدعاء إلا شارطاً فيه المصلحة. انتهى، وهو على طريق الاعتزال في مراعاة المصلحة من الله تعالى.
( وَيَكْشِفُ السُّوء ( : هو كل ما يسوء، وهو عام في كل ضر انتقل من حالة المضطر، وهو خاص إليّ أعم، وهو ما يسوء، سواء كان المكشوف عنه في حالة الاضطرار أو فيما دونها. وخلفاء : أي الأمم السالفة، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو خلفاء النبي ( ﷺ ) ) من بعده، أو خلفاء الكفار في أرضهم، أو الملك والتسلط، أقوال. وقرأ الحسن في رواية : ونجعلكم بنون المتكلم، كأنه استئناف إخبار ووعد، كما قال