" صفحة رقم ٩٠ "
الساعة، أو بالعذاب الموعود به هم، وسألوا عن وقت الموعود به على سبيل الاستهزاء، قيل له : قل عسى أن يكون ردفكم بعضه : أي تبعكم عن قرب وصار كالرديف التابع لكم بعض ما استعجلتم به، وهو كان عذاب يوم بدر. وقيل : عذاب القبر. وقرأ الجمهور : ردف، بكسر الدال. وقرأ ابن هرمز : بفتحها، وهما لغتان، وأصله التعدي بمعنى تبع ولحق، فاحتمل أن يكون مضمناً معنى اللازم، ولذلك فسره ابن عباس وغيره بأزف وقرب لما كان يجيء بعد الشيء قريباً منه ضمن معناه، أو مزيداً اللام في مفعوله لتأكيد وصول الفعل إليه، كما زيدت الباء في :) (، فإن مكرهم لاحق بهم، لا بك، والله يعصمك منهم. وتقدّمت قراءة ضيق، بكسر الضاد وفيتحها، وهما مصدران. وكره أبو علي أن يكون المفتوح الضاد، أصله ضيق، بتشديد الياء فخفف، كلين في لين، لأن ذلك يقتضي حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وليست من الصفات التي تقوم مقام الموصوف باطراد. وأجاز ذلك الزمخشري، قال : ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم.
ولما استعجلت قريش بأمر الساعة، أو بالعذاب الموعود به هم، وسألوا عن وقت الموعود به على سبيل الاستهزاء، قيل له : قل عسى أن يكون ردفكم بعضه : أي تبعكم عن قرب وصار كالرديف التابع لكم بعض ما استعجلتم به، وهو كان عذاب يوم بدر. وقيل : عذاب القبر. وقرأ الجمهور : ردف، بكسر الدال. وقرأ ابن هرمز : بفتحها، وهما لغتان، وأصله التعدي بمعنى تبع ولحق، فاحتمل أن يكون مضمناً معنى اللازم، ولذلك فسره ابن عباس وغيره بأزف وقرب لما كان يجيء بعد الشيء قريباً منه ضمن معناه، أو مزيداً اللام في مفعوله لتأكيد وصول الفعل إليه، كما زيدت الباء في :) وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ (، قاله الزمخشري، وقد عدى بمن على سبيل التضمين لما يتعدى بها، وقال الشاعر : فلما ردّفنا من عمير وصحبه
تولوا سراعاً والمنية تعنق
أي دنوا من عمير. وقيل : ردفه وردف له، لغتان. وقيل : الفعل محمول على المصدر، أي الرادفة لكم. وبعض على تقدير ردافة بعض ما تستعجلون، وهذا فيه تكلف ينزه القرآن عنه. وقيل : اللام في لكم داخلة على المفعول من أجله، والمفعول به محذوف تقديره : ردف الخلق لأجلكم، وهذا ضعيف. وقيل : الفاعل بردف ضمير يعود على الوعد، ثم قال : لكم بعض ما تستعجلون على المبتدأ والخبر، وهذا فيه تفكيك للكلام، وخروج عن الظاهر لغير حاجة تدعو إلى ذلك. ) لَذُو فَضْلٍ ( : أي إفضال عليهم بترك معاجلتهم بالعقوبة على معاصينهم وكفرهم، ومتعلق يشكرون محذوف، أي لا يشكرون نعمه عندهم، أو لا يشكرون بمعنى : لا يعرفون حق النعمة، عبر عن انتفاء معرفتهم بالنعمة، بانتفاء ما يترتب على معرفتها، وهو الشكر.
ثم أخبر تعالى بسعة علمه، فبدأ بما يخص الإنسان، ثم عم كل غائبة وعبر بالصدور، وهي محل القلوب التي لها الفكر والتعقل، كما قال :) وَلَاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ ( عن الحال فيها، وهي القلوب، وأسند الإعلان إلى ذواتهم، لأن الإعلان من أفعال الجوارح. ولما كان المضمر في الصدر هو الداعي لما يظهر على الجوارح، والسبب في إظهاره قدم الإكنان على الإعلام. وقرأ الجمهور :) مَا تُكِنُّ (، من أكن الشيء : أخفاه. وقرأ ابن محيصن، وحميد، وابن السميفع : بفتح التاء وضم الكاف، من كن الشيء : ستره، والمعنى : ما يخفون وما يعلنون من عداوة الرسول ومكايدهم. والظاهر عموم قوله :) مِنْ غَائِبَةٍ (، أي ما من شيء في غاية الغيبوبة والخفاء إلا في كتاب عند الله ومكنون علمه. وقيل : ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض. وقيل : هو يوم القيامة وأهوالها، قاله الحسن. والكتاب : اللوح المحفوظ. وقيل : أعمال العباد أثبتت ليجازى عليها. وقال صاحب الغنيان : أي حادثة غائبة، أو نازلة واقعة. وقال ابن عباس : أي ما من شيء سرّ في السموات والأرض وعلانية، فاكتفى بذكر السر عن مقبلة. وقال الزمخشري : سمي الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية، فكانت التاء فيهما بمنزلتها في العاقبة والعافية، ونظيرهما : النطيحة والذبيحة والرمية في أنها أسماء غير صفات، ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة، كالرواية في قولهم : ويل للشاعر من رواية السوء، كأنه قال : وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء، إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح المبين الظاهر لمن ينظر فيه من الملائكة. انتهى.
ولما ذكر تعالى المبدأ والمعاد، ذكر ما يتعلق بالنبوة، وكان المعتمد الكبير في إثبات نبوّة محمد ( ﷺ ) ) وهو القرآن. ومن جملة إعجازه إخباره بما تضمن من القصص، الموافق لما في التوراة والإنجيل، مع العلم بأنه أمي لم يخالط العلماء ولا اشتغل بالتعليم. وبنو إسرائيل هم اليهود والنصارى. قص فيه أكثر ما اختلفوا فيه على وجهه، وبينه لهم، ولو أنصفوا وأسلموا. ومما اختلفوا فيه أمر المسيح، تحزبوا فيه، فمن قائل هو الله، ومن قائل ابن الله، ومن قائل ثالث ثلاثة، ومن قائل هو نبي كغيره من الأنبياء، وقد عقدوا لهم اجتماعات، وتباينوا في العقائد، وتناكروا في أشياء حتى لعن بعضهم بعضاً