" صفحة رقم ١٤٦ "
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر
لعزة من أعراضنا ما استحلت
أعني : صفة استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل، مرتفعاً به ما استحلت، كما يرتفع بالفعل، كأنه قيل : هنا عزة المستحل من أعراضنا. وكذلك معنى هنيئاً ههنا : هنأكم الأكل والشرب، أو هنأكم ما كنتم تعملون، أي جزاء ما كنتم تعملون، والباء مزيدة كما في :) كَفَى بِاللَّهِ (، والباء متعلقة بكلوا واشربوا، إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب. انتهى. وتقدم لنا الكلام مشبعاً على ) هَنِيئَاً ( في سورة النساء. وأما تجويزه زيادة الباء، فليست زيادتها مقيسة في الفاعل، إلا في فاعل كفى على خلاف فيها ؛ فتجويز زيادتها في الفاعل هنا لا يسوغ. وأما قوله : إن الباء تتعلق بكلوا واشربوا، فلا يصح إلا على الأعمال، فهي تتعلق بأحدهما.
الطور :( ٢٠ ) متكئين على سرر.....
وانتصب ) مُتَّكِئِينَ ( على الحال. قال أبو البقاء : من الضمير في ) كُلُواْ (، أو من الضمير في ) وَوَقَاهُمْ (، أو من الضمير في ) ءاتَاهُمُ (، أو من الضمير في ) فَاكِهِينَ (، أو من الضمير في الظرف. انتهى. والظاهر أنه حال من الظرف، وهو قوله :) فِي جَنَّاتِ ). وقرأ أبو السمال : على سرر، بفتح الراء، وهي لغة لكلب في المضعف، فراراً من توالي ضمتين مع التضعيف. وقرأ عكرمة :) بِحُورٍ عِينٍ ( على الإضافة.
الطور :( ٢١ ) والذين آمنوا واتبعتهم.....
والظاهر أن قوله :) وَالَّذِينَ ءامَنُواْ ( مبتدأ، وخبره ) ألحقناه ). وأجاز أبو البقاء أن يكون ) مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ ( في موضع نصب على تقدير : وأكرمنا الذين آمنوا. ومعنى الآية، قال الجمهور وابن عباس وابن جبير وغيرهما : أن المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يكونون في مراتب آبائهم، وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال مثلهم كرامة لآبائهم. فبإيمان متعلق بقوله :) وَأَتْبَعْنَاهُم ). وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله ( ﷺ ) ) قال :( إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن كان لم يبلغها بعمله ليقر بها عينه ) ثم قرأ الآية. وقال ابن عباس والضحاك : إن الله تعالى يلحق الأبناء الصغار، وإن لم يبلغوا الإيمان بأحكام الآباء المؤمنين. انتهى. فيكون بإيمان متعلقاً بألحقنا، أي ألحقنا بسبب الإيمان الآباء بهم ذرياتهم، وهم الصغار الذين ماتوا ولم يبلغوا التكليف، فهم في الجنة مع آبائهم، وإذا كان أبناء الكفار، الذين لم يبلغوا حدّ التكليف في الجنة، كما ثبت في صحيح البخاري، فأحرى أولاد المؤمنين. وقال الحسن : الآية في الكبار من الذرية. وقال منذر بن سعيد هي في الصغار لا في الكبار. وعن ابن عباس أيضاً : الذين آمنوا : المهاجرون والأنصار، والذرية : التابعون. وعنه أيضاً : إن كان الآباء أرفع درجة، رفع الله الأبناء إليهم، فالآباء داخلون في اسم الذرية. وقال النخعي : المعنى : أعطيناهم أجورهم من غير نقص، وجعلنا ذريتهم كذلك.
وقال الزمخشري :) وَالَّذِينَ ءامَنُواْ (، معطوف على حور عين. أي قرناهم بالحور العين ؛ وبالذين آمنوا : أي بالرفقاء والجلساء منهم، كقوله تعالى :) إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (، فيتمتعون تارة بملاعبة الحور، وتارة بمؤانسة الإخوان المؤمنين، وأتبعناهم ذرياتهم. ثم ذكر حديث ابن عباس، ثم قال : فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم بهم ونسلهم. ثم قال : بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم : أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل، وهو إيمان الآباء، ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم، وإن كانوا لا يستأهلونها، تفضلاً عليهم وعلى آبائهم، لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم. فإن قلت : ما معنى تنكير الإيمان ؟ قلت : معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة. ويجوز أن يراد إيمان الذرية الداني المحل، كأنه قال : بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم. انتهى.
ولا يتخيل أحد أن ) وَالَّذِينَ ( معطوف على ) بِحُورٍ عِينٍ ( غير هذا الرجل، وهو تخيل أعجميّ مخالف لفهم العربي القح ابن عباس وغيره. والأحسن من هذه الأقوال قول ابن عباس، ويعضده الحديث الذي رواه، لأن الآيات كلها في صفة إحسان الله تعالى إلى هل الجنة. وذكر من جملة إحسانه أنه يرعى


الصفحة التالية
Icon