" صفحة رقم ١٥٦ "
انتهى. وقال ابن عطية :) ثُمَّ دَنَا (، قال الجمهور : أي جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام عند حراء. وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء : ما يقتضي أن الدنو يستند إلى الله تعالى. وقيل : كان الدنو إلى جبريل. وقيل : إلى الرسول ( ﷺ ) )، أي دنا وحيه وسلطانه وقدرته، والصحيح أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل بدليل قوله :) وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى (، فإنه يقتضي نزلة متقدمة. وما روي أن رسول الله ( ﷺ ) ) رأى ربه قبل ليلة الإسراء. ودنا أعم من تدلى، فبين هيئة الدنو كيف كانت قاب قدر، قال قتادة وغيره : معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال الحسن ومجاهد : من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض. وقال أبو رزين : ليست بهذه القوس، ولكن قدر الذراعين. وعن ابن عباس : أن القوس هنا ذراع تقاس به الأطوال. وذكر الثعلبي أنه من لغة الحجاز.
( فَأَوْحَى ( : أي الله، ( إِلَى عَبْدِهِ ( : أي الرسول ( ﷺ ) )، قاله ابن عباس. وقيل :) إِلَى عَبْدِهِ ( جبريل، ( مَا أَوْحَى ( : إبهام على جهة التعظيم والتفخيم، والذي عرف من ذلك فرض الصلوات. وقال الحسن : فأوحى جبريل إلى عبد الله، محمد ( ﷺ ) )، ما أوحى، كالأول في الإبهام. وقال ابن زيد : فأوحى جبريل إلى عبد الله، محمد ( ﷺ ) )، ما أوحاه الله تعالى إلى جبريل عليه السلام. وقال الزمخشري :) مَا أَوْحَى ( : أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك.
النجم :( ١١ ) ما كذب الفؤاد.....
( مَا كَذَبَ ( فؤاد محمد ( ﷺ ) ) ما رآه ببصره من صورة جبريل : أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك في أن ما رآه حق. انتهى. وقرأ الجمهور : ما كذب مخففاً، على معنى : لم يكذب قلب محمد ( ﷺ ) ) الشيء الذي رآه، بل صدقه وتحققه نظراً، وكذب يتعدى. وقال ابن عباس وأبو صالح : رأى محمد ( ﷺ ) ) الله تعالى بفؤاده. وقيل : ما رأى بعينه لم يكذب ذلك قلبه، بل صدقه وتحققه، ويحتمل أن يكون التقدير فيما رأى.
وعن ابن عباس وعكرمة وكعب الأحبار : أن محمداً ( ﷺ ) ) رأى ربه بعيني رأسه، وأبت ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها، وقالت : أنا سألت رسول الله ( ﷺ ) ) عن هذه الآيات، فقال لي :( هو جبريل عليه السلام فيها كلها ). وقال الحسن : المعنى ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته. وسأل أبو ذر رسول الله ( ﷺ ) ) : هل رأيت ربك ؟ فقال :( نورانى أراه ). وحديث عائشة قاطع لكل تأويل في اللفظ، لأن قول غيرها إنما هو منتزع من ألفاظ القرآن، وليست نصاً في الرؤية بالبصر، بلا ولا بغيره. وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن الياس وهشام عن ابن عامر : ما كذب مشدداً. وقال كعب الأحبار : إن الله قسم الرؤية والكلام بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد ( ﷺ ) ) مرتين. وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : لقد وقف شعري من سماع هذا، وقرأت :) لاَّ تُدْرِكُهُ الاْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَارَ (، وذهبت هي وابن مسعود وقتادة والجمهور إلى أن المرئي مرتين هو جبريل، مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى.
النجم :( ١٢ ) أفتمارونه على ما.....
وقرأ الجمهور :) أَفَتُمَارُونَهُ ( : أي أتجادلونه على شيء رآه ببصره وأبصره، وعدى بعلى لما في الجدال من المغالبة، وجاء يرى بصيغة المضارع، وإن كانت الرؤية قد مضت، إشارة إلى ما يمكن حدوثه بعد. وقرأ علي وعبد الله وابن عباس والجحدري ويعقوب وابن سعدان وحمزة والكسائي : بفتح التاء وسكون الميم، مضارع مريت : أي جحدت، يقال : مريته حقه، إذا جحدته، قال الشاعر :