" صفحة رقم ١٧١ "
فرقتين، ووعدوه بالإيمان إن فعل. وكانت ليلة بدر، فسأل ربه، فانشق القمر نصف على الصفا ونصف على قيقعان. فقال أهل مكة : آية سماوية لا يعمل فيها السحر. فقال أبو جهل : اصبروا حتى تأتينا أهل البوادي، فإن أخبروا بانشقاقه فهو صحيح، وإلا فقد سحر محمد أعيننا. فجاءوا فأخبروا بانشقاق القمر، فأعرض أبو جهل وقال :) سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ). وعن ابن عباس : شق القمر شقين، شطرة على السويداء وشطرة على الحديبية. وعنه : انشق القمر بمكة مرتين. وعنه : انفلق فلقتين، فلقة ذهبت وفلقة بقيت.
ومناسبة أول السورة لآخر ما قبلها ظاهرة، قال :) أَزِفَتِ الاْزِفَةُ (، وقال :) اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ). وممن عاين انشقاق القمر ابن مسعود جبير بن مطعم، وأخبر به ابن عمر وأنس وحذيفة وابن عباس. وحين أرى الله الناس انشقاق القمر، قال الرسول ( ﷺ ) ) :( اشهدوا )، وقال المشركون إذ ذاك : سحرنا محمد. وقال بعضهم : سحر القمر. والأمة مجمعة على خلاف من زعم أن قوله :) وَانشَقَّ الْقَمَرُ ( معناه : أنه ينشق يوم القيامة، ويرده من الآية قوله :) وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ). فلا يناسب هذا الكلام أن يأتي إلا بعد ظهور ما سألوه معيناً من انشقاق القمر. وقيل : سألوا آية في الجملة، فأراهم هذه الآية السماوية، وهي من أعظم الآيات، وذلك التأثير في العالم العلوي. وقرأ حذيفة : وقد انشق القمر، أي اقتربت، وتقدم من آيات اقترابها انشقاق القمر، كما تقول : أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه. وخطب حذيفة بالمدائن، ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت، وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم، ولا التفات إلى قول الحسن أن المعنى : إذ جاءت الساعة انشق القمر بعد النفخة الثانية، ولا إلى قول من قال : إن انشقاقه عبارة عن انشقاق الظلمة عند طلوعه في أثنائها، فالمعنى : ظهر الأمر، فإن العرب تضرب بالقمر مثلاً فيما وضح، كما يسمى الصبح فلقاً عند انفلاق الظلمة عنه، وقد يعبر عن الانفلاق بالانشقاق. قال النابغة : فلما أدبروا ولهم دوي
دعانا عند شق الصبح داعي
وهذه أقوال فاسدة، ولولا أن المفسرين ذكروها، لأضربت عن ذكرها صفحاً.
القمر :( ٢ ) وإن يروا آية.....
( وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ (، وقرىء : وإن يروا مبنياً للمفعول : أي من شأنهم وحالتهم أنهم متى رأوا ما يدل على صدق الرسول الله ( ﷺ ) ) من الآيات الباهرة أعرضوا عن الإيمان به وبتلك الآية. وجاءت الجملة شرطية ليدل على أنهم في الاستقبال على مثل حالهم في الماضي، ويقولوا :) سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ( : أي دائم، ومنه قول الشاعر : ألا إنما الدنيا ليال وأعصر
وليس على شيء قويم بمستمر
لما رأوا الآيات متوالية لا تنقطع، قالوا ذلك. وقال أبو العالية والضحاك والأخفش : مستمر : مشدود موثق من مرائر الحبل، أي سحر قد أحكم، ومنه قول الشاعر : حتى استمرت على سر مريرته
صدق العزيمة لا رياً ولا ضرعا
وقال أنس ويمان ومجاهد والكسائي والفراء، واختاره النحاس : مستمر : مار ذاهب زائل عن قريب، عللوا بذلك أنفسهم. وقيل مستمر : شديد المرارة، أي مستبشع عندنا مر، يقال : مر الشيء وأمر، إذا صار مراً، وأمر غيره


الصفحة التالية
Icon