" صفحة رقم ١٧٦ "
أنه يكون، وهو هلاك قوم نوح عليه السلام بالطوفان، وهذا هو الراجح، لأن كل قصة ذكرت بعد هذه القصة ذكر الله هلاك مكذبي الرسل فيها، فيكون هذا كناية عن هلاك قوم نوح، ولذلك ذكر نجاة نوح بعدها في قوله :) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ). وقرأ أبو حيوة : قدر بشد الدال ؛ والجمهور ؛ بتخفيفها، وذات الألواح والدسر هي السفينة التي أنشأها نوح عليها السلام. ويفهم من هذين الوصفين أنها السفينة، فهي صفة تقوم مقام الموصوف وتنوب عنه، ونحوه : قميصي مسرودة من حديد، أي درع، وهذا من فصيح الكلام وبديعه. ولو جمعت بين الصفة والموصوف فيه، لم يكن بالفصيح والدسر المسامير، قاله الجمهور. وقال الحسن وابن عباس : مقاديم السفينة لأنها تدسر الماء، أي تدفعه، والدسر : الدفع. وقال مجاهد وغيره : بطن السفينة. وعنه أيضاً : عوارض السفينة. وعنه أيضاً : أضلاع السفينة، تجري في ذلك الماء المتلقي بحفظ منا وكلاءة، بحيث نجا من كان فيها وغرق غيرهم.
القمر :( ١٤ ) تجري بأعيننا جزاء.....
وقال مقاتل بن سليمان :) بِأَعْيُنِنَا ( : بوحينا. وقيل : بأمرنا. وقيل : بأوليائنا. يقال : فلان عين من عيون الله تعالى : أي ولي من أوليائه. وقيل : بأعين الماء التي أنبعناها. وقيل : من حفظها من الملائكة سماهم أعيناً. وقرأ زيد بن علي وأبو السمال : بأعينا بالإدغام ؛ والجمهور : بالفك. ) جَزَاء ( : أي مجازاة، ( لّمَن كَانَ كُفِرَ ( : أي لنوح عليه السلام، إذ كان نعمة أهداها الله إلى قومه لأن يؤمنوا فكفروها، المعنى : أنه حمله في السفينة ومن آمن معه كان جزاء له على صبره على قومه المئين من السنين، ومن كناية عن نوح. قيل : يعني بمن كفر لمن جحدت نبوته. وقال ابن عباس ومجاهد : من يراد به الله تعالى، كأنه قال : غضباً وانتصاراً لله تعالى، أي انتصر لنفسه، فأغرق الكافرين، وأنجى المؤمنين، وهذان التأويلان في من على قراءة الجمهور. كفر : مبنياً للمفعول. وقرأ مسلمة بن محارب : بإسكان الفاء خفف فعل، كما قال الشاعر :
لو عصر منه البان والمسك انعصر
يريد : لو عصر. وقرأ زيد بن رومان وقتادة وعيسى : كفر مبنياً للفاعل، فمن يراد به قوم نوح : أي إن ما نشأ من تفتيح أبواب السماء بالماء، وتفجر عيون الأرض، والتقاء الماءين من غرق قوم نوح عليه الصلاة والسلام، كان جزاء لهم على كفرهم. وكفر : خبر لكان، وفي ذلك دليل على وقوع الماضي بغير قد خبراً لكان، وهو مذهب البصريين وغيرهم. يقول : لا بد من قد ظاهرة أو مقدرة، على أنه يجوز إن كان هنا زائدة، أي لمن كفر،
القمر :( ١٥ ) ولقد تركناها آية.....
والضمير في ) تَّرَكْنَاهَا ( عائد على الفعلة والقصة. وقال قتادة والنقاش وغيرهما : عائد على السفينة، وأنه تعالى أبقى خشبها حتى رآه بعض أوائل هذه الأمة. وقال قتادة : وكم من سفينة بعدها صارت رماداً وقرأ الجمهور :) مُّدَّكِرٍ (، بإدغام الذال في الدال المبدلة من تاء الافتعال ؛ وقتادة : فيما نقل ابن عطية بالذال، أدغمه بعد قلب الثاني إلى الأول. وقال صاحب كتاب اللوامح قتادة : فهل من مذكر، فاعل من التذكير، أي من يذكر نفسه أو غيره بما مضى من القصص. انتهى. وقرىء : مدتكر على الأصل.
القمر :( ١٦ ) فكيف كان عذابي.....
( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ ( : تهويل لما حل بقوم نوح من العذاب وإعظام له، إذ قد استأصل جميعهم وقطع دابرهم، فلم ينسل منهم أحد ؛ أي كيف كان عاقبة إنذاري ؟ والنذر : جمع نذير وهو الإنذار، وفيه توقيف لقريش على ما حل بالمكذبين أمثالهم. وكان، إن كانت ناقصة، كانت كيف في موضع خبر


الصفحة التالية
Icon