" صفحة رقم ١٨٢ "
تنازع أهل السنة والقدرية الاستدلال بهذه الآية. فأهل السنة يقولون : كل شيء فهو مخلوق لله تعالى بقدرة دليله قراءة النصب، لأنه لا يفسر في مثل هذا التركيب إلا ما يصح أن يكون خبراً لو وقع الأول على الابتداء. وقالت القدرية : القراءة برفع كل، وخلقناه في موضع الصفة لكل، أي إن أمرنا أو شأننا كل شيء خلقناه فهو بقدر أو بمقدار، على حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك. وقال الزمخشري :) كُلّ شَىْء ( منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر. وقرىء : كل شيء بالرفع، والقدر والقدر هو التقدير. وقرىء : بهما، أي خلقنا كل شيء مقدراً محكماً مرتباً على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدراً مكتوباً في اللوح، معلوماً قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه. انتهى. قيل : والقدر فيه وجوه : أحدها : أن يكون بمعنى المقدار في ذاته وصفاته. والثاني : التقدير، قال تعالى :) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ). وقال الشاعر :
وما قدّر الرحمن ما هو قادر
أي ما هو مقدور. والثالث : القدر الذي يقال مع القضاء، يقال : كان ذلك بقضاء الله وقدره، والمعنى : أن القضاء ما في العلم، والقدر ما في الإرادة، فالمعنى في الآية :) خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ( : أي بقدرة مع إرادة. انتهى.
القمر :( ٥٠ ) وما أمرنا إلا.....
( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحِدَةٌ ( : أي إلا كلمة واحدة وهي : كن كلمح بالبصر، تشبيه بأعجل ما يحس، وفي أشياء أمر الله تعالى أوحي من ذلك، والمعنى : أنه إذا أراد تكوين شيء لم يتأخر عن إرادته.
القمر :( ٥١ ) ولقد أهلكنا أشياعكم.....
( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ( : أي الفرق المتشايعة في مذهب ودين.
القمر :( ٥٢ ) وكل شيء فعلوه.....
( وَكُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ ( : أي فعلته الأمم المكذبة، محفوظ عليهم إلى يوم القيامة، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وابن زيد. ومعنى ) فِى الزُّبُرِ ( : في دواوين الحفظة.
القمر :( ٥٣ ) وكل صغير وكبير.....
( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ( من الأعمال، ومن كل ما هو كائن، ( مُّسْتَطَرٌ ( : أي مسطور في اللوح. يقال : سطرت واستطرت بمعنى. وقرأ الأعمش وعمران بن حدير وعصمة عن أبي بكر : بشد راء مستطر. قال صاحب اللوامح : يجوز أن يكون من طرّ النبات، والشارب إذا ظهر وثبت بمعنى : كل شيء ظاهر في اللوح مثبت فيه. ويجوز أن يكون من الاستطار، لكن شدّد الراء للوقف على لغة من يقول : جعفرّ ونفعلّ بالتشديد وقفاً. انتهى، ووزنه على التوجيه الأول استفعل، وعلى الثاني افتعل.
القمر :( ٥٤ ) إن المتقين في.....
وقرأ الجمهور : ونهر على الإفراد، والهاء مفتوحة ؛ والأعرج ومجاهد وحميد وأبو السمال والفياض بن غزوان : بسكونها، والمراد به الجنس، إن أريد به الأنهار، أو يكون معنى ونهر : وسعة في الأرزاق والمنازل، ومنه قول قيس بن الحطيم : ملكت بها كفي فأنهرت فتقها
يرى قائم من دونها ما وراءها
أي : أوسعت فتقها. وقرأ زهير العرقبي والأعمش وأبو نهيك وأبو مجلز واليماني : بضم النون والهاء، جمع نهر، كرهن ورهن، أو نهر كأسد وأسد، وهو مناسب لجمع جنات. وقيل : نهر جمع نهار، ولا ليل في الجنة، وهو بعيد
القمر :( ٥٥ ) في مقعد صدق.....
. ) فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ ( : يجوز أن يكون ضد الكذب، أي في المقعد الذي صدقوا في الخبر به، وأن يكون من قولك : رجل صدق : أي خير وجود وصلاح. وقرأ الجمهور : في مقعد، على الإفراد، يراد به اسم الجنس ؛ وعثمان البتي : في مقاعد على الجمع ؛ وعند تدل على قرب المكانة من الله تعالى، والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon