" صفحة رقم ٢١٨ "
) وَالرَّسُولِ ( : الواو واو الحال، فالجملة بعده حال، وقد أخذ حال ثالثة، وهذا الميثاق قيل : هو الذي أخذ عليهم حين الإخراج من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام. وقيل : ما نصب من الأدلة وركز في العقول من النظر فيها.
( إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( : شرط وجوابه محذوف، أي إن كنتم مؤمنين لموجب مّا، فهذا هو الموجب لإيمانكم، أو إن كنتم ممن يؤمن، فما لكم لا تؤمنون والحالة هذه ؟ وهي دعاء الرسول وأخذ الميثاق. وقال الطبري : إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن. وقرأ الجمهور :) وَقَدْ أَخَذَ ( مبنياً للفاعل، ( مِيثَاقَكُمْ ( بالنصب ؛ وأبو عمرو : مبنياً للمفعول، ميثاقكم رفعاً. وقال ابن عطية : في قوله :) إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( وإنما المعنى أن قوله :) وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ ( يقتضي أن يقدر بأثره، فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة. ) إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( : أي إن دمتم على ما بدأتم به.
الحديد :( ٩ ) هو الذي ينزل.....
ولما ذكر توطئة ما يوجب الإيمان دعاء الرسول إياهم للإيمان، ذكر أنه تعالى هو المنزل على رسوله ( ﷺ ) ) ما دعا به إلى الإيمان، وذلك الآيات البينات المعجزات، ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، أي الله تعالى، إذ هو المخبر عنه، أو الرسول ( ﷺ ) )، لأنه أقرب. وقرىء في السبعة :) يُنَزّلٍ ( مضارعاً، فبعض ثقل وبعض خفف. وقراءة الحسن : بالوجهين ؛ وزيد بن علي والأعما : أنزل ماضياً، ووصف نفسه تعالى بالرأفة والرحمة تأنيساً لهم.
الحديد :( ١٠ ) وما لكم ألا.....
ولما كان قد أمرهم بالإيمان والإنفاق، ثم ترك تأنيبهم على ترك الإيمان مع حصول موجبه، أنبهم على ترك الإنفاق في سبيل الله مع قيام الداعي لذلك، وهو أنهم يموتون فيخلفونه. ونبه على هذا الموجب بقوله :) وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( وهذا من أبلغ البعث على الإنفاق. وأن لا تنفقوا تقديره : في أن لا تنفقوا، فموضعه جر أو نصب على الخلاف، وأن ليست زائدة، بل مصدرية. وقال الأخفش : في قوله :) وَمَا لَنَا أَن لا نُّقَاتِلْ (، إنها زائدة عاملة تقديره عنده : وما لنا لا نقاتل، فلذلك على مذهبه في تلك هنا تكون أن، وتقديره : وما لكم لا تنفقون، وقد رد مذهبه في كتب النحو.
( لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ (، قيل : نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه، إذ كان أول من أسلم وهاجر وأنفق رضي الله تعالى عنه، وكذا من تابعه في السبق في ذلك، ولذلك قال :) أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ). وقيل : نزلت بسبب أن ناساً من الصحابة أنفقوا نفقات جليلة حتى قيل : إن هؤلاء أعظم أجراً من كل من أنفق. وهذه الجملة تضمنت تباين ما بين المنفقين. وقرأ الجمهور :) مِن قَبْلِ الْفَتْحِ ( ؛ وزيد بن علي، قيل : بغير من. والفتح مكة، وهو المشهور، وقول قتادة وزيد بن أسلم ومجاهد. وقال أبو سعيد الخدري والشعبي : هو فتح الحديبة، وقد تقدم في أول سورة الفتح كونه فتحاً، ورفعه أبو سعيد إلى النبي ( ﷺ ) ) : إن أفضل ما بين الهجرتين فتح الحديبة. والظاهر أن ) مِنْ ( فاعل ) لاَ يَسْتَوِى (، وحذف مقابله، وهو من أنفق من بعد الفتح وقاتل، لوضوح المعنى.
( أُوْلَائِكَ ( : أي الذين أنفقوا قبل الفتح وقبل انتشار الإسلام وفشوّه واستيلاء السلمين على أم القرى، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين جاء في حقهم قوله ( ﷺ ) ) :( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ). وأبعد من ذهب إلى الفاعل بلا يستوي ضمير يعود على الإنفاق، أي لا يستوي، هو الإنفاق، أي جنسه، إذ منه ما هو قبل الفتح وبعده ؛ ومن أنفق مبتدأ، وأولئك مبتدأ خبره ما بعده، والجملة في موضع خبر من، وهذا فيه تفكيك للكلام، وخروج عن الظاهر لغير موجب. وحذف المعطوف لدلالة المقابل كثيرة، فأنفق لا سيما المعطوف الذي يقتضيه وضع الفعل، وهو يستوي. وقرأ الجمهور :) وَكُلاًّ ( بالنصب، وهو المفعول الأول لوعد. وقرأ ابن عامر وعبد الوارث من طريق المادر أي : وكل بالرفع والظاهر أنه مبتدأ، والجملة بعده في موضع الخبر، وقد أجاز ذلك الفراء وهشام، وورد في


الصفحة التالية
Icon