" صفحة رقم ٢٣١ "
رسول الله لا تفعل، فإني وحيدة ليس لي أهل سواه، فراجعها بمثل مقالته فراجعته، فهذا هو جدالها، وكانت في خلال ذلك تقول : اللهم إن لي منه صبية صغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا. فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي عند جدالها.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : سبحان من وسع سمعه الأصوات. كان بعض كلام خولة يخفى عليّ، وسمع الله جدالها، فبعث رسول الله ( ﷺ ) ) إلى أوس وعرض عليه كفارة الظهار :( العتق )، فقال : ما أملك، و ( الصوم )، فقال : ما أقدر، و ( الاطعام )، فقال : لا أجد إلا أن تعينني، فأعانه ( ﷺ ) ) بخمسة عشر صاعاً ودعا له، فكفر بالإطعام وأمسك أهله. وكان عمر، رضي الله تعالى عنه، يكرم خولة إذا دخلت على ه ويقول : قد سمع الله لها. وقال الزمخشري : معنى قد : التوقع، لأنه ( ﷺ ) ) والمجادلة كانا متوقعين أن يسمع الله مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرح عنها. انتهى.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو : يظهرون بشدّهما ؛ والأخوان وابن عامر : يظاهرون مضارع ظاهر ؛ وأبيّ : يتظاهرون، مضارع تظاهر ؛ وعنه : يتظهرون، مضارع تظهر ؛ والمراد به كله الظهار، وهو قول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي، يريد في التحريم، كأنه إشارة إلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان. والمعنى أنه لا يعلوها كما لا يعلو أمّه، ولذلك تقول العرب في مقابلة ذلك : نزلت عن امرأتي، أي طلقتها. وقوله :) مّنكُمْ (، إشارة إلى توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار، لأنه كان من إيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم.
المجادلة :( ٢ ) الذين يظاهرون منكم.....
وقرأ الجمهور :) أُمَّهَاتِهِمْ (، بالنصب على لغة الحجاز ؛ والمفضل عن عاصم : بالرفع على لغة تميم ؛ وابن مسعود : بأمهاتهم، بزيادة الباء. قال الزمخشري : في لغة من ينصب. انتهى. يعني أنه لا تزاد الباء في لغة تميم، وهذا ليس بشيء، وقد رد ذلك على الزمخشري. وزيادة الباء في مثل : ما زيد بقائم، كثير في لغة تميم، والزمخشري تبع في ذلك أبا عليّ الفارسي رحمه الله. ولما كان معنى كظهر أمي : كأمي في التحريم، ولا يراد خصوصية الظهر الذي هو من الجسد، جاء النفي بقوله :) مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ (، ثم أكد ذلك بقوله :) أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ ( : أي حقيقة، ( إِلاَّ اللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ ( وألحق بهنّ في التحريم أمّهات الرضاع وأمّهات المؤمنين أزواج الرسول ( ﷺ ) )، والزوجات لسن بأمّهات حقيقة ولا ملحقات بهنّ. فقول المظاهر منكر من القول تنكره الحقيقة وينكره الشرع، وزور : كذب باطل منحرف عن الحق، وهو محرم تحريم المكروهات جدّاً، فإذا وقع لزم، وقد رجى تعالى بعده بقوله :) وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( مع الكفارة. وقال الزمخشري :) وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( لما سلف منه إذ تاب عنه ولم يعد إليه. انتهى، وهي نزغة اعتزالية.
والظاهر أن الظهار لا يكون إلا بالأم وحدها. فلو قال : أنت عليّ كظهر أختي أو ابنتي، لم يكن ظهاراً، وهو قول قتادة والشعبي وداود، ورواية أبي ثور عن الشافعي. وقال الجمهور : الحسن والنخعي والزهري والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي في قول هو ظهار، والظاهر أن الذمي لا يلزمه ظهاره لقوله :) مّنكُمْ (، أي من المؤمنين وبه قال أبو حنيفة والشافعي لكونها ليست من نسائه. وقال مالك : يلزمه ظهاره إذا نكحها، ويصح من المطلقة الرجعية. وقال : المزني لا يصح. وقال بعض العلماء : لا يصح ظهار غير المدخول بها، ولو ظاهر من أمته التي يجوز له وطئها، لزمه عند مالك. وقال