" صفحة رقم ٢٥١ "
الإعراب، أو استئناف إخبار. وقال الحوفي والزمخشري : حال من الضمير في ) لاَ تَتَّخِذُواْ (، أو صفة لأولياء، وهذا تقدّمه إليه الفراء، قال :) تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ( من صلة ) أَوْلِيَاء ). انتهى. وعندهم أن النكرة توصل، وعند البصريين لا توصل بل توصف، والحال والصفة قيد وهم قد نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقاً، والتقييد يدل على أنه يجوز أن يتخذوا أولياء إذا لم يكونوا في حال إلقاء المودة، أو إذا لم يكن الأولياء متصفين بهذا الوصف، وقد قال تعالى :) يُوقِنُونَ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء (، فدل على أنه لا يقتصر على تلك الحال ولا ذلك الوصف. والأولياء عبارة عن الإفضاء بالمودة، ومفعول ) تُلْقُونَ ( محذوف، أي تلقون إليهم أخبار رسول الله ( ﷺ ) ) وأسراره. والباء في ) بِالْمَوَدَّةِ ( للسبب، أي بسبب المودة التي بينهم. وقال الكوفيون : الباء زائدة، كما قيل : في :) وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( : أي أيديكم. قال الحوفي : وقال البصريون هي متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل، وكذلك قوله ) بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ( : أي إرادته بإلحاد. انتهى. فعلى هذا يكون ) بِالْمَوَدَّةِ ( متعلقاً بالمصدر، أي إلقاؤهم بالمودّة، وهذا ليس بجيد، لأن فيه حذف المصدر، وهو موصول، وحذف الخبر، إذ إلقاؤهم مبتدأ وبما يتعلق به، ( وَقَدْ كَفَرُواْ ( جملة حالية، وذو الحال الضمير في ) تُلْقُونَ ( : أي توادونهم، وهذه حالهم، وهي الكفر بالله، ولا يناسب الكافر بالله أن يودّ. وأجاز الزمخشري أن يكون حالاً من فاعل ) لاَ تَتَّخِذُواْ ).
وقرأ الجمهور :) بِمَا جَاءكُمْ (، والجحدري والمعلى عن عاصم : لما باللام مكان الباء، أي لأجل ما جاءكم. ) يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ ( : استئناف، كالتفسير لكفرهم، أو حال من ضمير ) كَفَرُواْ (، ( وَإِيَّاكُمْ ( : معطوف على الرسول. وقدّم على إياكم الرسول لشرفه، ولأنه الأصل للمؤمنين به. ولو تقدّم الضمير لكان جائزاً في العربية، خلافاً لمن خص ذلك بالضرورة، قال : لأنك قادر على أن تأتي به متصلاً، فلا تفصل إلا في الضرورة، وهو محجوج بهذه الآية وبقوله تعالى :) وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ( وإياكم أن اتقوا ألله، وقدّم الموصول هنا على المخاطبين للسبق في الزمان وبغير ذلك من كلام العرب. و ) أَن تُؤْمِنُواْ ( مفعول من أجله، أي يخرجون لإيمانكم أو كراهة إيمانكم، ( إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ ( : شرط جوابه محذوف لدلالة ما تقدّم عليه، وهو قوله :) لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى (، ونصب جهاداً وابتغاء على المصدر في موضع الحال، أي مجاهدين ومبتغين، أو على أنه مفعول من أجله. ) تُسِرُّونَ ( : استئناف، أي تسرون وقد علمتم أني أعلم الإخفاء والإعلان، وأطلع الرسول ( ﷺ ) ) على ذلك، فلا طائل في فعلكم هذا. وقال ابن عطية :) تُسِرُّونَ ( بدل من ) تُلْقُونَ ). انتهى، وهو شبيه ببدل الاشتمال، لأن الإلقاء يكون سراً وجهراً، فهو ينقسم إلى هذى ن النوعين. وأجاز أيضاً أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : أنتم تسرون. والظاهر أن ) أَعْلَمُ ( أفعل تفضيل، ولذلك عداه بالباء. وأجاز ابن عطية أن يكون مضارعاً عدى بالباء قال : لأنك تقول علمت بكذا. ) وَأَنَاْ أَعْلَمُ ( : جملة حالية، والضمير في ) وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ (، الظاهر أنه إلى أقرب مذكور، أي ومن يفعل الأسرار. وقال ابن عطية : يعود على الاتخاذ، وانتصب سواء على المفعول به على تقدير تعدى ضل، أو على الظرف على تقدير اللزوم، والسواء : الوسط.
الممتحنة :( ٢ ) إن يثقفوكم يكونوا.....
ولما نهى المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء، وشرح ما به الولاية من الإلقاء بالمودة بينهم، وذكر ما صنع الكفار بهم أولاً من إخراج الرسول ( ﷺ ) ) والمؤمنين، ذكر صنيعهم آخراً لو قدروا عليه من أنه إن تمكنوا منكم تظهر عداوتهم لكم، ويبسطوا أيديهم بالقتل والتعذيب، وألسنتهم بالسب ؛ وودوا لو ارتددتم عن دينكم الذي هو أحب الأشياء إليكم، وهو سبب إخراجهم إياكم. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف أورد جواب الشرط مضارعاً مثله، ثم قال ) وَوَدُّواْ ( بلفظ الماضي ؟ قلت : الماضي، وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب، فإنه فيه نكتة كأنه قيل : وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعاً. انتهى. وكأن الزمخشري فهم من قوله :) وَوَدُّواْ ( أنه معطوف على جواب الشرط، فجعل ذلك سؤالاً وجواباً. والذي يظهر أن قوله :) وَوَدُّواْ ( ليس على جواب الشرط، لأن ودادتهم كفرهم ليست مترتبة على الظفر بهم والتسلط عليهم، بل هم وادون