" صفحة رقم ٢٦١ "
على جواب الاستفهام، وهو قوله :) هَلْ أَدُلُّكُمْ (، واستبعد هذا التخريج. قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا. وقال المهدوي : إنما يصح حملاً على المعنى، وهو أن يكون تؤمنون وتجاهدون عطف بيان على قوله :) هَلْ أَدُلُّكُمْ (، كأن التجارة لم يدر ما هي، فبينت بالإيمان والجهاد، فهي هما في المعنى، فكأنه قال : هل تؤمنون وتجاهدون ؟ قال : فإن لم تقدر هذا التقدير لم يصح، لأنه يصير : إن دللتم يغفر لكم، والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة. وقال الزمخشري نحوه، قال : وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة، والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد، فكأنه قال : هل تتحرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم ؟ انتهى، وتقدم شرح بقية الآية.
الصف :( ١٣ ) وأخرى تحبونها نصر.....
ولما ذكر تعالى ما يمنعهم من الثواب في الآخرة، ذكر ما يسرهم في العاجلة، وهي ما يفتح عليهم من البلاد. ) وَأُخْرَى ( : صفة لمحذوف، أي ولكم مثوية أخرى، أو نعمة أخرى عاجلة إلى هذه النعمة الآجلة. فأخرى مبتدأ وخبره المقدر لكم، وهو قول الفراء، ويرجحه البدل منه بقوله :) نَصْرٌ مّن اللَّهِ (، و ) تُحِبُّونَهَا ( صفة، أي محبوبة إليكم. وقال قوم : وأخرى في موضع نصب بإضمار فعل، أي ويمنحكم أخرى ؛ ونصر خبر مبتدأ، أي ذلك، أو هو نصر. وقال الأخفش : وأخرى في موضع جر عطفاً على تجارة، وضعف هذا القول لأن هذه الأخرى ليست مما دل عليه، إنما هي من الثواب الذي يعطيهم الله على الإيمان والجهاد بالنفس والمال. وقرأ الجمهور :) نَصْرُ ( بالرفع، وكذا ) وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ( ؛ وابن أبي عبلة : بالنصب فيها ثلاثتها، ووصف أخرى بتحبونها، لأن النفس قد وكلت بحب العاجل، وفي ذلك تحريض على ما يحصل ذلك، وهو الإيمان والجهاد. وقال الزمخشري : وفي تحبونها شيء من التوبيخ على محبة العاجل، قال : فإن قلت : لم نصب من قرأ نصراً من الله وفتحاً قريباً ؟ قلت : يجوز أن ينصب على الاختصاص، أو على ينصرون نصراً ويفتح لكم فتحاً، أو على ) يَغْفِرْ لَكُمْ ( و ) لَهُمْ جَنَّاتُ ( ويؤتكم أخرى نصراً وفتحاً قريباً. فإن قلت علام عطف قوله :) وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( ؟ قلت : على ) تُؤْمِنُونَ (، لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك. انتهى.
الصف :( ١٤ ) يا أيها الذين.....
( كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ ( : ندب المؤمنين إلى النصرة ووضع لهم هذا الاسم، وإن كان قد صار عرفاً للأوس والخزرج، وسماهم الله به. وقرأ الأعرج وعيسى وأبو عمرو والحرميان : أنصاراً لله بالتنوين ؛ والحسن والجحدري وباقي السبعة : بالإضافة إلى الله، والظاهر أن كما في موضع نصب على إضمار، أي قلنا لكم ذلك كما قال عيسى. وقال مكي : نعت لمصدر محذوف، والتقدير : كونوا كوناً. وقيل : نعت لأنصاراً، أي كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال :) مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ ). انتهى. والحواريون اثنا عشر رجلاً، وهم أول من آمن بعيسى، بثهم عيسى في الآفاق، بعث بطرس وبولس إلى رومية، وأندارس ومتى إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس، وبوقاس إلى أرض بابل، وفيليس إلى قرطاجنة وهي إفريقية، ويحنس إلى أقسوس قرية أصحاب الكهف، ويعقوبين إلى بيت المقدس، وابن بليمن إلى أرض الحجاز وتستمر إلى أرض البربر وما حولها، وفي بعض أسمائهم إشكال من جهة الضبط، فليلتمس ذلك من مظانه. ) يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ بِعَيسَى عَلَى عَدُوّهِمْ ( : وهم الذين كفروا بعيسى، ( فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ ( : أي قاهرين لهم مستولين عليهم. وقال زيد بن عليّ وقتادة : ظاهرين : غالبين بالحجة والبرهان. وقيل : أيدنا المسلمين على الفرقتين الضالتين، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon