" صفحة رقم ٢٧٨ "
خاصاً، بل إذا كان كوناً مطلقاً. لو قلت : زيد عندك أو في الدار، تريد : ضاحكا عندك أو ضاحكا في الدار، لم يجز. فتعليق اللام بقوله :) فَطَلّقُوهُنَّ (، ويجعل على حذف مضاف هو الصحيح.
وما روي عن جماعة من الصحابة والتابعين، رضي الله تعالى عنهم، من أنهم قرؤا : فطلقوهن في قبل عدتهن ؛ وعن بعضهم : في قبل عدّتهن ؛ وعن عبد الله : لقبل طهرهن، هو على سبيل التفسير، لا على أنه قرآن، لخلافه سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقاً وغرباً، وهل تعتبر العدة بالنسبة إلى الأطهار أو الحيض ؟ تقدم ذلك في البقرة في قوله :) ثَلَاثَةَ قُرُوء ). والمراد : أن يطلقهن في طهر لم يجامعهن فيه، ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، فإن شاء ردها، وإن شاء أعرض عنها لتكون مهيأة للزوج ؛ وهذا الطلاق أدخل في السنة. وقال مالك : لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة، وكره الثلاث مجموعة أو مفرقة. وأبو حنيفة كره ما زاد على الواحدة في طهر واحد، فأما مفرقاً في الأطهار فلا. وقال الشافعي : لا بأس بإرسال الطلاق الثلاث، ولا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح، راعى في السنة الوقت فقط، وأبو حنيفة التفريق والوقت.
وقوله :) فَطَلّقُوهُنَّ ( مطلق، لا تعرض فيه لعدد ولا لوصف من تفريق أو جمع ؛ والجمهور : على أنه لو طلق لغير السنة وقع. وعن ابن المسيب وجماعة من التابعين : أنه لو طلق في حيض أو ثلاث، لم يقع. والظاهر أن الخطاب في ) وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ ( للأزواج : أي اضبطوا بالحفظ، وفي الإحصاء فوائد مراعاة الرجعة وزمان النفقة والسكنى وتوزيع الطلاق على الأقراء. وإذا أراد أن يطلق ثلاثاً، والعلم بأنها قد بانت، فيتزوج بأختها وبأربع سواها.
ونهى تعالى عن إخراجهنّ من مساكنهنّ حتى تنقضي العدّة، ونهاهنّ أيضاً عن خروجهنّ، وأضاف البيوت إليهنّ لما كان سكناهنّ فيها، ونهيهنّ عن الخروج لا يبيحه إذن الأزواج، إذ لا أثر لإذنهم. والإسكان على الزوج، فإن كان ملكه أو بكراء فذاك، أو ملكها فلها عليه أجرته، وسواء في ذلك الرجعية والمبتوبة، وسنة ذلك أن لا تبيت عن بيتها ولا تخرج عنه نهاراً إلا لضرورة، وذلك لحفظ النسب والاحتفاظ بالنساء. ) إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مَّبْنِيَّةٌ ( : وهي الزنا، عند قتادة ومجاهد والحسن والشعبي وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة وحماد والليث، ورواه مجاهد عن ابن عباس، فيخرجن للحد. وعن ابن عباس : البذاء على الاحماء، فتخرج ويسقط حقها في السكنى، وتلزم الإقامة في مسكن تتخذه حفظاً للنسب. وعنده أيضاً : جميع المعاصي، من سرقة، أو قذف، أو زنا، أو غير ذلك، واختاره الطبري، فيسقط حقها في السكنى. وعند ابن عمر والسدي وابن السائب : هي خروجها من بيتها خروج انتقال، فيسقط حقها في السكنى. وعند قتادة أيضاً : نشوزها عن الزوج، فتطلق بسبب ذلك، فلا يكون عليه سكنى ؛ وإذا سقط حقها من السكنى أتمت العدّة. ) لا تَدْرِى ( أيها السامع، ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (، قال المفسرون : الأمر هنا الرغبة في ارتجاعها، والميل إليها بعد انحرافه عنها ؛ أو ظهور حمل فيراجعها من أجله. ونصب لا تدري على جملة الترجى، فلا تدري معلقة عن العمل، وقد تقدم لنا الكلام على قوله :) وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ (، وذكرنا أنه ينبغي أن يزاد في المعلقات لعل، فالجملة المترجاة في موضع نصب بلا تدري.
الطلاق :( ٢ - ٣ ) فإذا بلغن أجلهن.....
( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ( : أي أشرفن على انقضاء العدّة، ( فَأَمْسِكُوهُنَّ ( : أي راجعوهنّ، ( بِمَعْرُوفٍ ( : أي بغير ضرار، ( أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ( : أي سرحوهنّ بإحسان، والمعنى : اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهنّ، فيملكن أنفسهنّ. وقرأ الجمهور :) أَجَلُهُنَّ ( على الإفراد ؛ والضحاك وابن سيرين : آجالهنّ على الجمع. والإمساك بمعروف : هو حسن العشرة فيما للزوجة على الزوج، والمفارقة بمعروف : هو أداء المهر والتمتيع والحقوق الواجبة والوفاء بالشرط. ) وَأَشْهِدُواْ ( : الظاهر وجوب الإشهاد على ما يقع من الإمساك وهو الرجعة، أو المفارقة وهي الطلاق. وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة، كقوله :) وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ( ؛ وعند الشافعية واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة. وقيل :) وَأَشْهِدُواْ ( : يريد على الرجعة فقط، والإشهاد شرط في صحتها، فلها منفعة من نفسها حتى يشهد. وقال ابن عباس : الإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق يرفع عن النوازل أشكالاً كثيرة، ويفسد تاريج الإشهاد من الإشهاد. قيل : وفائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا