" صفحة رقم ٢٩٠ "
الظرف، وهو ) عِندَكَ بَيْتاً (، ثم بينت مكان القرب فقالت :) فِى الْجَنَّةِ ). وقال بعض الظرفاء : وقد سئل : اين في القرآن مثل قولهم : الجار قبل الدار ؟ قال : قوله تعالى ) ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ (، فعندك هو المجاورة، وبيتاً في الجنة هو الدار، وقد تقدم ) عِندَكَ ( على قوله :) بَيَاتًا ). ) وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ (، قيل : دعت بهذه الدعوات حين أمر فرعون بتعذيبها لما عرف إيمانها بموسى عليه السلام. وذكر المفسرون أنواعاً مضطربة في تعذيبها، وليس في القرآن نصاً أنها عذبت. وقال الحسن : لما دعت بالنجاة، نجاها الله تعالى أكرم نجاة، فرفعها إلى الجنة تأكل وتشرب وتتنعم. وقيل : لما قالت :) ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ (، أريت بيتها في الجنة يبنى، ( وَعَمَلِهِ (، قيل : كفره. وقيل : عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس : الجماع. ) وَنَجّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (، قال : أهل مصر، وقال مقاتل : القبط، وفي هذا دليل على الالتجاء إلى الله تعالى عند المحن وسؤال الخلاص منها، وإن ذلك من سنن الصالحين والأنبياء.
التحريم :( ١٢ ) ومريم ابنة عمران.....
( وَمَرْيَمَ ( : معطوف على امرأة فرعون، ( ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ( : تقدم تفسير نظير هذه في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقرأ الجمهور : ابنت بفتح التاء ؛ وأيوب السختياني : ابنه بسكون الهاء وصلاً أجراه مجرى الوقف. وقرأ الجمهور :) فَنَفَخْنَا فِيهِ ( : أي في الفرج ؛ وعبد الله : فيها، كما في سورة الأنبياء، أي في الجملة. وجمع تعالى في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييباً لقلوبهن. وقرأ الجمهور :) وَصَدَّقَتْ ( بشد الدال ؛ ويعقوب وأبو مجلز وقتادة وعصمة عن عاصم : بخفها، أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليه السلام، وما أظهر الله له من الكرامات. وقرأ الجمهور : وكلماته جمعاً، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس عليه السلام وغيره، وسماها كلمات لقصرها، ويكون المراد بكتبه : الكتب الأربعة. واحتمل أن تكون الكلمات : ما كلم الله تعالى به ملائكته وغيرهم، وبكتبه : جميع ما يكتب في اللوح وغيره. واحتمل أن تكون الكلمات : ما صدر في أمر عيسى عليه السلام. وقرأ الحسن ومجاهد والجحدري : بكلمة على التوحيد، فاحتمل أن يكون اسم جنس، واحتمل أن يكون كناية عن عيسى، لأنه قد أطلق عليه أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم. وقرأ أبو عمرو وحفص : وكتبه جمعاً، ورواه كذلك خارجة عن نافع. وقرأ باقي السبعة : وكتابه على الإفراد، فاحتمل أن يراد به الجنس، وأن يراد به الإنجيل لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى. وقرأ أبو رجاء : وكتبه. قال ابن عطية : بسكون التاء وكتبه، وذلك كله مراد به التوراة والإنجيل. وقال صاحب اللوامح أبو رجاء : وكتبه بفتح الكاف، وهو مصدر أقيم مقام الاسم. قال سهل : وكتبه أجمع من كتابه، لأن فيه وضع المضاف موضع الجنس، فالكتب عام، والكتاب هو الإنجيل فقط. انتهى.
( وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ( : غلب الذكورية على التأنيث، والقانتين شامل للذكور والإناث، ومن للتبعيض. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من القانتين، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى، صلوات الله وسلامه عليهما، وقال يحيى بن سلام : مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله ( ﷺ ) )، ثم ضرب لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنت عمران ترغيباً في التمسك بالطاعات والثبات على الدّين. انتهى. وأخذ الزمخشري كلام ابن سلام هذا وحسنه وزمكه بفصاحة فقال : وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّي المؤمنين المذكورتين في أول السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله ( ﷺ ) ) بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه لما في التمثيل من ذكر الكفر ونحوه. ومن التغليظ قوله :) وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (، وإشارة إلى أن من حقهما أن يكونا في الإخلاص والكتمان فيه كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا يشكلا على أنهما زوجتا رسول الله ( ﷺ ) )، فإن ذلك الفضل لا ينقصهما إلا مع كونهما مخلصين. والتعريض بحفصة أرج، لأن امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول الله ( ﷺ ) ). وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب بالغة من اللطف والخفاء حدّاً يدق عن تفطن العالم ويزل عن تبصره. انتهى. وقال ابن عطية : وقال بعض الناس : إن في المثلين عبرة لزوجات النبي ( ﷺ ) ) حين تقدم عتابهن، وفي هذا بعد، لأن النص أنه للكفار يبعد هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon