" صفحة رقم ٣٣٣ "
يكون دعاؤه إسراراً، لأنه يكون ألطف بهم. ولعلهم يقبلون منه كحال من ينصح في السر فإنه جدير أن يقبل منه، فلما لم يجد له الإسرار، انتقل إلى أشد منه وهو دعاؤهم جهاراً صلتاً بالدعاء إلى الله لا يحاشي أحداً، فلما لم يجد عاد إلى الإعلان وإلى الأسرار. قال الزمخشري : ومعنى ثم الدلالة على تباعد الأحوال، لأن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما. انتهى. وكثيراً كرر الزمخشري أن ثم للاستبعاد، ولا نعلمه من كلام غيره، وانتصب جهاراً بدعوتهم، وهو أحد نوعي الدعاء، ويجيء فيه من الخلاف ما جاء في نصب هو يمشي الخوزلى.
قال الزمخشري : أو لأنه أراد بدعوتهم : جاهرتهم، ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا بمعنى دعاء جهاراً : أي مجاهراً به، أو مصدراً في موضع الحال، أي مجاهراً.
نوح :( ١٠ ) فقلت استغفروا ربكم.....
ثم أخبر أنه أمرهم بالاستغفار، وأنهم إذا استغفروا در لهم الرزق في الدنيا، فقدم ما يسرهم وما هو أحب إليهم، إذ النفس متشوفة إلى الحصول على العاجل، كما قال تعالى :) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (، ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالاْرْضِ (، ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ (، ( وَإِنَّ لُوطاً اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَاهُم ). قال قتادة : كانوا أهل حب للدنيا، فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها.
نوح :( ١١ - ١٢ ) يرسل السماء عليكم.....
وقيل : لما كذبوه بعد طول تكرار الدعاء قحطوا وأعقم نساؤهم، فبدأهم في وعده بالمطر، ثم ثنى بالأموال والبنين. و ) مُّدْرَاراً ( : من الدر، وهو صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث، ومفعال لا تلحقه التاء إلا نادراً، فيشترك فيه المذكر والمؤنث. تقول : رجل محدامة ومطرابة، وامرأة محدابة ومطرابة، والسماء المطلة، قيل : لأن المطر ينزل منها إلى السحاب، ويجوز أن يراد السحاب والمطر كقوله : إذا نزل السماء بأرض قوم البيت،
نوح :( ١٣ ) ما لكم لا.....
الرجاء بمعنى الخوف، وبمعنى الأمل. فقال أبو عبيدة وغيره :) لاَ تَرْجُونَ ( : لا تخافون، قالوا : والوقار بمعنى العظمة والسلطان، والكلام على هذا وعيد وتخويف. وقيل : لا تأملون له توقيراً : أي تعظيماً. قال الزمخشري : والمعنى : ما لكم لا تكونون على حال ما يكون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب، ولله بيان للموقر، ولو تأخر لكان صلة، أو لا تخافون الله حلماً وترك معاجلة بالعقاب فتؤمنوا. وقيل : ما لكم لا تخافون لله عظمة. وعن ابن عباس : لا تخافون لله عاقبة، لأن العاقبة حال استقرار الأمور وثبات الثواب والعقاب منه وقر إذا ثبت واستقر. انتهى. وقيل : ما لكم لا تجعلون رجاءكم لله وتلقاءه وقاراً، ويكون على هذا منهم كأنه يقول : تؤده منكم وتمكناً في النظر، لأن الفكر مظنة الخفة والطيش وركوب الرأس. انتهى. وفي التحرير قال سعيد بن جبير : ما لكم لا ترجون لله ثواباً ولا تخافون عقاباً، وقاله ابن جبير عن ابن عباس. وقال العوفي عنه : ما لكم لا تعلمون لله عظمة ؛ وعن مجاهد والضحاك : ما لكم لا تبالون لله عظمة. قال قطرب : هذه لغة حجازية، وهذيل وخزاعة ومضر يقولون : لم أرج : لم أبال. انتهى. ) لاَ تَرْجُونَ ( : حال،
نوح :( ١٤ ) وقد خلقكم أطوارا
) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً ( : جملة حالية تحمل على الإيمان بالله وإفراده بالعبادة، إذ في هذه الجملة الحالية التنبيه على تدريج الإنسان في أطوار لا يمكن أن تكون إلا من خلقه تعالى. قال ابن عباس ومجاهد من : النطفة والعلقة والمضغة. وقيل :


الصفحة التالية
Icon