" صفحة رقم ٣٣٥ "
نوح :( ٢٢ ) ومكروا مكرا كبارا
) وَمَكَرُواْ ( : يظهر أنه معطوف على صلة من، وجمع الضمير في ) وَمَكَرُواْ (، ( وَقَالُواْ ( على المعنى ؛ ومكرهم : احتيالهم في الدين وتحريش الناس على نوح عليه السلام. وقرأ الجمهور :) كُبَّاراً ( بتشديد الباء، وهو بناء فيه مبالغة كثير. قال عيسى بن عمر : هي لغة يمانية، وعليها قول الشاعر : والمرء يلحقه بقنان الندى
خلق الكريم وليس بالوضاء
وقول الآخر : بيضاء تصطاد القلوب وتستبي
بالحسن قلب المسلم القراء
ويقال : حسان وطوال وجمال. وقرأ عيسى وابن محيصن وأبو السمال : بخف الباء، وهو بناء مبالغة. وقرأ زيد بن علي وابن محيصن، فيما روي عنه أبو الأخيرط وهب بن واضح : كباراً، بكسر الكاف وفتح الباء. وقال ابن الأنباري : هو جمع كبير، كأنه جعل مكراً مكان ذنوب أو أفاعيل. انتهى، يعني فلذلك وصفه بالجمع.
نوح :( ٢٣ ) وقالوا لا تذرن.....
( وَقَالُواْ ( : أي كبراؤهم لأتباعهم، أو قالوا، أي جميعهم بعضهم لبعض، ( لاَ تَذَرُنَّ ( : لا تتركن، ( ءالِهَتَكُمْ ( : أي أصنامكم، وهو عام في جميع أصنامهم، ثم خصبوا بعد أكابر أصنامهم، وهو ودّ وما عطف عليه ؛ وروي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الزمان. قال عروة بن الزبير : كانوا بني آدم، وكان ودّاً أكبرهم وأبرهم به. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس : كانوا بني آدم ونوح عليهما السلام، ماتوا فصورت أشكالهم لتذكر أفعالهم الصالحة، ثم هلك من صورهم وخلف من يعظمها، ثم كذلك حتى عبدت. قيل : ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها. وقيل : بل الأسماء فقط إلى قبائل من العرب. فكان ودّ لكلب بدومة الجندل ؛ وسواع لهذيل، وقيل : لهمدان ؛ ويغوث لمراد، وقيل : لمذحج ؛ ويعوق لهمدان، وقيل : لمراد ؛ ونسر لحمير، وقيل : لذي الكلاع من حمير ؛ ولذلك سمت العرب بعبد ودّ وعبد يغوث ؛ وما وقع من هذا الخلاف في سواع ويغوث ويعوق يمكن أن يكون لكل واحد منهما صنم يسمى بهذا الاسم، إذ يبعد بقاء أعيان تلك الأصنام، فإنما بقيت الأسماء فسموا أصنامهم بها. قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث، وكان من رصاص، يحمل على جمل أجرد يسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل، فينزلون حوله ويضربون له بناء. انتهى. وقال الثعلبي : كان يغوث لكهلان من سبأ، يتوارثونه حتى صار في همدان، وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني : يريش الله في الدنيا ويبري
ولا يبري يغوث ولا يريش
وقال الماوردي : ود اسم صنم معبود. سمي وداً لودهم له. انتهى. وقيل : كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر، وهذا مناف لما تقدم من أنهم صوروا صور ناس صالحين. وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة، بخلاف عنهم : وداً، بضم الواو ؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة : بفتحها، قال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon