" صفحة رقم ٣٥ "
مُنتَقِمُونَ (، قال : يعني يوم بدر. وقال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. وقال عبد الرحمن الأعرج :) يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء (، هو يوم فتح مكة، لما حجبت السماء الغبرة. وفي حديث حذيفة : أول الآيات خروج الدجال، والدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن ؛ وفيه قلت : يا نبي الله، وما الدخان على هذه الآية :) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ( ؟ وذكر بقية الحديث، واختصرناه بدخان مبين، أي ظاهر. لا شك أنه دخان ) يَغْشَى النَّاسَ ( : يشملهم. فإن كان هو الذي رأته قريش، فالناس خاص بالكفار من أهل مكة، وقد مضى كما قال ابن مسعود ؛ وإن كان من أشراط الساعة، أو يوم القيامة، فالناس عام فيمن أدركه وقت الأشراط، وعام بالناس يوم القيامة. ) هَاذَا عَذَابٌ ( إلى ) مُؤْمِنُونَ ( في موضع نصب بفعل القول محذوفاً، وهو في موضع الحال، أي يقولون. ويجوز أن يكون إخباراً من الله، كأنه تعجب منه، كما قال في قصة الذبيح :) إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ ).
) إِنَّا مْؤْمِنُونَ ( : وعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب، والإيمان واجب، كشف العذاب أو لم يكشف. ) أَنَّى لَهُمُ الذّكْرَى ( : أي كيف يذكرون ويتعظون ويقولون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب، وقد جاءهم ما هو أعظم ؟ وأدخل في باب الادكار من كشف الدخان ؟ وهو ما ظهر على يد رسول الله ( ﷺ ) ) من الآيات والبينات، من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات، فلم يذكروا، وتولوا عنه وبهتوه بأن عدّاسا غلاماً أعجمياً لبعض ثقيف هو الذي علمه، ونسبوه إلى الجنون. وقرأ زر بن حبيش : معلم، بكسر اللام. ) إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً ( : إخبار عن إقامة الحجة عليهم، ومبالغة في الإملاء لهم. ثم أخبر أنهم عائدون إلى الكفر. وقال قتادة : هو توعد بمعاد الآخرة : وإن كان الخطاب لقريش حين حل بهم الجدب، كان ظاهراً ؛ وإن كان الدخان قبل يوم القيامة، فإذا أتت السماء بالعذاب، تضرع منافقوهم وكافروهم وقالوا : ربنا اكشف عنا العذاب، إنا مؤمنون. فيكشف عنهم، قيل : بعد أربعين يوماً ؛ فحين يكشفه عنهم يرتدون.
الدخان :( ١٦ ) يوم نبطش البطشة.....
ويوم البطشة الكبرى على هذا : هو يوم القيامة، كقوله :) فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ). وكونه يوم القيامة، هو قول ابن عباس والحسن وقتادة. وكونه يوم بدر، هو قول عبد الله وأبي وابن عباس ومجاهد. وانتصب يوم نبطش، قيل : بذكراهم، وقيل : بننتقم الدال عليه منتقمون، وضعف بأنه لا نصب إلا بالفعل، وقيل : بمنتقمون. ورد بأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها. وقرأ الجمهور : نبطش، بفتح النون وكسر الطاء ؛ والحسن، وأبو جعفر : بضمها ؛ والحسن أيضاً، وأبو رجاء، وطلحة : بضم النون وكسر الطاء، بمعنى : نسلط عليهم من يبطش بهم. والبطشة على هذه القراءة ليس منصوباً بنبطش، بل بمقدر، أي نبطش ذلك المسلط البطشة، أو يكون البطشة في معنى الإبطاشة، فينتصب بنبطش.
الدخان :( ١٧ ) ولقد فتنا قبلهم.....
( وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ( : هذا كالمثال لقريش، ذكرت قصة من أرسل إليهم موسى عليه السلام، فكذبوه، فأهلكهم الله. وقرىء : فتنا، بتشديد التاء، للمبالغة في الفعل، أو التكثير، متعلقة ) وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ( : أي كريم عند الله وعند المؤمنين، قاله الفراء ؛ أو كريم في نفسه، لأن الأنبياء إنما يبعثون من سروات الناس، قاله أبو سليمان ؛ أو كريم حسن الخلق، قاله مقاتل.
الدخان :( ١٨ ) أن أدوا إلي.....
( أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ اللَّهِ ( يحتمل أن تكون أن تفسيرية، لأنه تقدم ما يدل على معنى القول، وهو رسول كريم، وأن تكون أن مخففة من الثقيلة أو الناصبة للمضارع، فإنها توصل بالأمر. قال ابن عباس : أن أدوا إليّ الطاعة يا عباد الله : أي اتبعوني على ما أدعوكم إليه من الإيمان. وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد : طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل، كم قال : فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم. فعلى ابن عباس : عباد الله : منادى، ومفعول أدوا محذوف ؛ وعلى قول مجاهد ومن ذكر معه : عباد الله : مفعول أدوا. ) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ( : أي غير متهم، قد ائتمنني الله على وحيه ورسالته.
الدخان :( ١٩ ) وأن لا تعلوا.....
( وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ ( : أي لا تستكبروا على عبادة الله، قاله يحيي بن سلام. قال ابن جريح : لا تعظموا على الله. قيل : والفرق بينهما أن التعظيم تطاول المقتدر، والاستكبار ترفع المحتقر، ذكره الماوردي، وأن هنا كان السابق في أوجهها الثلاثة. ) وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ( : أي بحجة واضحة في


الصفحة التالية
Icon