" صفحة رقم ٣٧٢ "
المعنى نفي الشفاعة فانتفى النفع، أي لا شفاعة شافعين لهم فتنفعهم من باب :
على لاحب لا يهتدي بمناره
أي : لا منار له فيهتدي به. وتخصيصهم بانتفاء شفاعة الشافعين يدل على أنه قد تكون شفاعات وينتفع بها، ووردت أحاديث في صحة ذلك.
المدثر :( ٤٩ ) فما لهم عن.....
( فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ ( : وهي مواعظ القرآن التي تذكر الآخرة، ( مُعْرِضِينَ ( : أي والحال المنتظرة هذه الموصوفة.
المدثر :( ٥٠ ) كأنهم حمر مستنفرة
ثم شبههم بالحمر المستنفرة في شدة إعراضهم ونفارهم عن الإيمان وآيات الله تعالى. وقرأ الجمهور :) حُمُرٌ ( بضم الميم ؛ والأعمش : بإسكانها. قال ابن عباس : المراد الحمر الوحشية، شبههم تعالى بالحمر مذمة وتهجيناً لهم. وقرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم :) مُّسْتَنفِرَةٌ ( بفتح الفاء،
المدثر :( ٥١ ) فرت من قسورة
والمعنى : استنفرها : فزعها من القسورة ؛ وباقي السبعة : بكسرها، أي نافرة نفر، واستنفر بمعنى عجب واستعجب وسر واستسخر، ومنه قول الشاعر : أمسك حمارك إنه مستنفر
في إصر أحمرة عهدن لعرّب
ويناسب الكسر قوله :) فَرَّتْ ). وقال محمد بن سلام : سألت أبا سرار العتوي، وكان أعرابياً فصيحاً، فقلت : كأنهم حمر ماذا مستنفرة طردها قسورة ؟ فقلت : إنما هو ) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (، قال : أفرّت ؟ قلت : نعم، قال : فمستنفرة إذن. قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري وقتادة وعكرمة : القسورة : الرماة. وقال ابن عباس أيضاً وأبو هريرة وجمهور من اللغويين : الأسد. وقال ابن جبير : رجال القنص، وهو قريب من القول الأول، وقاله ابن عباس أيضاً. وقال ابن الأعرابي : القسورة أول الليل، والمعنى : فرّت من ظلمة الليل، ولا شيء أشدّ نفاراً من حمر الوحش، ولذلك شبهت بها العرب الإبل في سرعة سيرها وخفتها.
المدثر :( ٥٢ ) بل يريد كل.....
( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىء مّنْهُمْ ( : أي من المعرضين عن عظات الله وآياته، ( أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ( : أي منشورة غير مطوية تقرأ كالكتب التي يتكاتب بها، أو كتبت في السماء نزلت بها الملائكة ساعة كتبت رطبة لم تطو بعد، وذلك أنهم قالوا لرسول الله ( ﷺ ) ) : لن نتبعك حتى يؤتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه : من رب العالمين إلى فلان بن فلان، يؤمر فيها باتباعك، ونحوه ) لَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَءهُ ). وروي أن بعضهم قال : إن كان يكتب في صحف ما يعمل كل إنسان، فلتعرض تلك الصحف علينا، فنزلت هذه الآية. وقرأ الجمهور :) صُحُفاً ( بضم الصاد والحاء، ( مُّنَشَّرَةً ( مشدّداً ؛ وابن جبير : بإسكانها منشرة مخففاً، ونشر وأنشر مثل نزل وأنزل. شبه نشر الصحيفة بإنشار الله الموتى، فعبر عنه بمنشرة من أنشرت، والمحفوظ في الصحيفة والثوب نشر مخففاً ثلاثياً، ويقال في الميت : أنشره الله فنشر هو، أي أحياه فحيي.
المدثر :( ٥٣ ) كلا بل لا.....
( كَلاَّ ( : ردع عن إرادتهم تلك وزجر لهم عن اقتراح الآيات، ( بَل لاَّ يَخَافُونَ الاْخِرَةَ (، ولذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف. وقرأ الجمهور :) يَخَافُونَ ( بياء الغيبة ؛ وأبو حيوة : بتاء الخطاب التفاتاً.
المدثر :( ٥٤ - ٥٦ ) كلا إنه تذكرة
) كَلاَّ ( : ردع عن إعراضهم عن التذكرة، ( إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ( : ذكر في إنه وفي ذكره، لأن التذكرة ذكر. وقرأ نافع وسلام ويعقوب : تذكرة بتاء الخطاب ساكنة الذال ؛ وباقي السبعة وأبو جعفر والأعمش وطلحة وعيسى والأعرج : بالياء. وروي عن أبي حيوة : يذكرون بياء الغيبة وشد الذال. وروي عن أبي جعفر : تذكرون بالتاء وإدغام التاء في الذال. ) هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى ( : أي أهل أن يتقي ويخاف، وأهل أن يغفر. وروى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي ( ﷺ ) ) فسر هذه الآية فقال :( يقول لكم ربكم جلت قدرته وعظمته : أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل يتقى إله غيري، ومن اتقى أن يجعل معي إلهاً غيري فأنا أغفر له ). وقال الزمخشري : في قوله تعالى ) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ (، يعني : إلا أن يقسرهم على الذكر ويلجئهم إليه، لأنهم مطبوع على قلوبهم معلوم أنهم لا يؤمنون إختياراً.