" صفحة رقم ٣٧٥ "
هذه السورة مكية. ومناسبتها لما قبلها : أن في آخر ما قبلها قوله :) كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الاْخِرَةَ كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (، وفيها كثير من أحوال القيامة، فذكر هنا يوم القيامة وجملاً من أحوالها.
القيامة :( ٢ ) ولا أقسم بالنفس.....
وتقدّم الكلام في ) لاَ أُقْسِمُ ). والخلاف في لا، والخلاف في قراآتها في أواخر الواقعة. أقسم تعالى بيوم القيامة لعظمه وهو له.
القيامة :( ٤ ) بلى قادرين على.....
و ) لاَ أُقْسِمُ (، قيل : لا نافية، نفى أن يقسم بالنفس اللوّامة وأقسم بيوم القيامة، نص على هذا الحسن ؛ والجمهور : على أن الله أقسم بالأمرين. واللوّامة، قال الحسن : هي التي تلوم صاحبها في ترك الطاعة ونحوها، فهي على هذا ممدوحة، ولذلك أقسم الله بها. وروي نحوه عن ابن عباس وعن مجاهد، تلوم على ما فات وتندم على الشر لم فعلته، وعلى الخير لم لم تستكثر منه. وقيل : النفس المتقية التي تلوم النفوس في يوم القيامة على تقصيرهنّ في التقوى. وقال ابن عباس وقتادة : هي الفاجرة الخشعة اللوّامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأعراضها، فهي على هذا ذميمة، ويحسن نفي القسم بها. والنفس اللوّامة : اسم جنس بهذا الوصف. وقيل : هي نفس معينة، وهي نفس آدم عليه السلام، لم تزل لائمة له على فعله الذي أخرجه من الجنة. قال ابن عطية : وكل نفس متوسطة ليست بمطمئنة ولا أمّارة بالسوء فإنها لوّامة في الطرفين، مرّة تلوم على ترك الطاعة، ومرّة تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت. انتهى. والمناسبة بين القسمين من حيث أحوال النفس من سعادتها وشقاوتها وظهور ذلك في يوم القيامة، وجواب القسم محذوف يدل عليه يوم القيامة المقسم به وما بعده من قوله :) أَيَحْسَبُ ( الآية، وتقديره لتبعثن. وقال الزمخشري : فإن قلت : قوله تعالى :) فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (، والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي، وكان قد أنشد قول امرىء القيس : لا وأبيك ابنة العامري
لا يدعي القوم إني أفرّ
وقول غوية بن سلمى : ألا نادت أمامة باحتمالي
لتحزنني فلا بك ما أبالي
قال : فهلا زعمت أن لا التي للقسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له، وقدرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفياً، نحو قولك :) لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (، لا تتركون سدى ؟ قلت : لو قصروا الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ، ولكنه لم يقسم. ألا ترى كيف لقي ) لاَ أُقْسِمُ بِهَاذَا الْبَلَدِ ( بقوله :) لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ (، وكذلك ) فَلاَ أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (، ( إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ ( ؟ ثم قال الزمخشري : وجواب القسم ما دل عليه قوله :) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن لَنْ نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (، وهو لتبعثن. انتهى، وهو تقدير النحاس. وقول من قال جواب القسم هو :) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ ). وما روي عن الحسن أن الجواب :) بَلَى قَادِرِينَ (، وما قيل أن لا في القسمين لنفيهما، أي لا أقسم على شيء، وأن التقدير : أسألك أيحسب الإنسان ؟ أقوال لا تصلح أن يرد بها، بل تطرح ولا يسود بها الورق، ولولا أنهم سردوها في الكتب لم أنبه عليها. والإنسان هنا الكافر المكذب بالبعث. روي أن عدي بن ربيعة قال لرسول الله ( ﷺ ) ) : يا محمد، حدّثني عن يوم القيامة متى يكون أمره ؟ فأخبره رسول الله ( ﷺ ) )، فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن به، أو يجمع الله هذه العظام بعد بلاها، فنزلت. وقيل : نزلت في أبي جهل، كان يقول : أيزعم محمد ( ﷺ ) ) أن يجمع الله هذه العظام بعد بلاها وتفرّقها فيعيدها خلقا