" صفحة رقم ٣٧٨ "
عن الإنسان ؟ وعلى هذا فالتاء للتأنيث. وتأول ابن عباس البصيرة بالجوارح أو الملائكة الحفظة.
القيامة :( ١٥ ) ولو ألقى معاذيره
والمعاذير عند الجمهور الأعذار، فالمعنى : لو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه فإنه هو الشاهد عليها والحجة البينة عليها. وقيل : المعاذير جمع معذرة. وقال الزمخشري : قياس معذرة معاذر، فالمعاذير ليس بجمع معذرة، إنما هو اسم جمع لها، ونحو المناكير في المنكر. انتهى. وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع، وإنما هو من أبنية جمع التكسير، فهو كذاكير وملاميح والمفرد منهما لمحة وذكر ؛ ولم يذهب أحد إلى أنهما من أسماء الجموع، بل قيل : هما جمع للمحة وذكر على قياس، أو هما جمع لمفرد لم ينطق به، وهو مذكار وملمحة. وقال السدي والضحاك : المعاذير : الستور بلغة اليمن، واحدها معذار، وهو يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة الذنب. وقاله الزجاج أيضاً، أي وإن رمى مستورة يريد أن يخفي عمله، فنفسه شاهدة عليه. وأنشدوا في أن المعاذير الستور قول الشاعر : ولكنها ضنت بمنزل ساعة
علينا وأطت فوقها بالمعاذر
وقيل : البصيرة : الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر، أي وإن تستر بالستور ؛ وإذا كانت من العذر، فمعنى ) وَلَوْ أَلْقَى ( : أي نطق بمعاذيره وقالها. وقيل : ولو رمى بأعذاره واستسلم. وقال السدي : ولو أدى بحجة وعذر. وقيل : ولو أحال بعضهم على بعض، كقوله تعالى :) لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ( ؛ والعذرة والعذرى : المعذرة، قال الشاعر :
ها إن ذي عذرة إن لا تكن نفعت
وقال فيها : ولا عذر لمجحود.
القيامة :( ١٦ - ١٩ ) لا تحرك به.....
( لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ ( : الظاهر والمنصوص الصحيح في سبب النزول أنه خطاب للرسول ( ﷺ ) ) على ما سنذكر إن شاء الله تعالى. وقال القفال : هو خطاب للإنسان المذكور في قوله :) يُنَبَّأُ الإِنسَانُ (، وذلك حال تنبئه بقبائح أفعاله، يعرض عليه كتابه فيقال له : اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً. فإذا أخذ في القراءة تلجلج من شدّة الخوف وسرعة القراءة، فقيل له :) لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (، فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك. ) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ( عليك، ( فَاتَّبِعْ قُرْءانَهُ ( بأنك فعلت تلك الأفعال. ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ( : أي بيان أمره وشرح عقوبته. وحاصل قول هذا القول أنه تعالى يقرر الكافر على جميع أفعاله على التفصيل، وفيه أشد الوعيد في الدنيا والتهويل في الآخرة.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس : أنه عليه الصلاة والسلام كان يعالج من التنزيل شدّة، وكان بما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه لحينه، فنزلت. وقال الضحاك : السبب أنه كان عليه الصلاة والسلام كان يخاف أن ينسى القرآن، فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق، فنزلت. وقال الشعبي : كان لحرصه عليه الصلاة والسلام على أداء الرسالة والاجتهاد في عبادة الله ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه، وجاءت هذه الآية في هذا المعنى. والضمير في به للقرآن دل عليه مساق الآية. ) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ( : أي في صدرك، ( وَقُرْءانَهُ ( : أي قراءتك إياه، والقرآن مصدر كالقراءة، قال الشاعر


الصفحة التالية
Icon