" صفحة رقم ٣٨٠ "
عليه الصلاة والسلام، رجع إلى حال الإنسان السابق ذكره المنكر البعث، وأن همه إنما هو في تحصيل حطام الدنيا الفاني لا في تحصيل ثواب الآخرة، إذ هو منكر لذلك. وقرأ الجمهور :) بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ ( بتاء الخطاب، لكفار قريش المنكرين البعث، و ) كَلاَّ ( : رد عليهم وعلى أقوالهم، أي ليس كما زعمتم، وإنما أنتم قوم غلبت عليكم محبة شهوات الدنيا حتى تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها. وقال الزمخشري :) كَلاَّ ( ردع، وذكر في كتابه ما يوقف عليه فيه. وقرأ مجاهد والحسن وقتادة والجحدري وابن كثير وأبو عمرو : بياء الغيبة فيهما.
القيامة :( ٢٢ - ٢٣ ) وجوه يومئذ ناضرة
ولما وبخهم بحب العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة، تخلص إلى شيء من أحوال الآخرة فقال :) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (، وعبر بالوجه عن الجملة. وقرأ الجمهور :) نَّاضِرَةٌ ( بألف، وزيد بن علي : نضرة بغير ألف. وقرأ ابن عطية :) وُجُوهِ ( رفع بالابتداء، وابتدأ بالنكرة لأنها تخصصت بقوله :) يَوْمَئِذٍ ( و ) نَّاضِرَةٌ ( خبر ) وُجُوهِ ). وقوله :) إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ ( جملة هي في موضع خبر بعد خبر. انتهى. وليس ) يَوْمَئِذٍ ( تخصيصاً للنكرة، فيسوغ الابتداء بها، لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة، إنما يكون ) يَوْمَئِذٍ ( معمول لناضرة. وسوغ جواز الابتداء بالنكرة كون الموضع موضع تفصيل، و ) نَّاضِرَةٌ ( الخبر، و ) نَّاضِرَةٌ ( صفة. وقيل :) نَّاضِرَةٌ ( نعت لوجوه، و ) إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ ( الخبر، وهو قول سائغ. ومسألة النظر ورؤية الله تعالى مذكورة في أصول الدين ودلائل الفريقين، أهل السنة وأهل الاعتزال، فلا نطيل بذكر ذلك هنا. ولما كان الزمخشري من المعتزلة، ومذهبه أن تقديم المفعول يدل على الاختصاص، قال هنا : ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر في محشر يجمع الله فيه الخلائق، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه محال، فوجب حمله على معنى لا يصح معه الاختصاص، والذي يصح معه أن يكون من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، يريد معنى التوقع والرجاء، ومنه قول القائل : وإذا نظرت إليك من ملك
والبحر دونك زدتني نعماء
وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون مقائلهم تقول : عيينتي ناظرة إلى الله وإليكم، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه. انتهى. وقال ابن عطية : ذهبوا، يعني المعتزلة، إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة، أو إلى ثوابه أو ملكه، فقدروا مضافاً محذوفاً، وهذا وجه سائغ في العربية. كما تقول : فلان ناظر إليك في كذا : أي إلى صنعك في كذا. انتهى. والظاهر أن إلى في قوله :) إِلَى رَبّهَا ( حرف جر يتعلق بناظرة. وقال بعض المعتزلة : إلى هنا واحد الآلاء، وهي النعم، وهي مفعول به معمول لناظرة بمعنى منتظرة.
القيامة :( ٢٤ - ٢٥ ) ووجوه يومئذ باسرة
) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ( : يجوز أن يكون ) وُجُوهِ ( مبتدأ خبره ) بَاسِرَةٌ ( وتظن خبر بعد خبر وأن تكون باسرة صفة وتظن الخبر. والفاقرة قال ابن المسيب قاصمة الظهر، وتظن بمعنى توقن أو يغلب على اعتقادها وتتوقع ) أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( : فعل هو في شدة داهية تقصم. وقال أبو عبيدة : فاقرة من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار.
القيامة :( ٢٦ - ٢٧ ) كلا إذا بلغت.....
( كَلاَّ ( : ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة وتذكير لهم بما يؤولون إليه من الموت الذي تنقطع العاجلة عنده وينتقل منها إلى الآجلة، والضمير في ) بَلَغَتِ ( عائد إلى النفس الدال عليها سياق الكلام، كقول حاتم : لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
وتقول العرب : أرسلت، يريدون جاء المطر، ولا نكاد نسمعهم يقولون السماء. وذكرهم تعالى بصعوبة الموت، وهو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها. وقيل : مبني للمفعول، فاحتمل أن يكون القائل حاضروا المريض طلبوا له من يرقي ويطب ويشفي، وغير ذلك مما يتمناه له أهله، قاله ابن عباس والضحاك وأبو قلابة وقتادة، وهو استفهام


الصفحة التالية
Icon