" صفحة رقم ٤٥٩ "
وناسب التنبيه بالنظر إليها وإلى ما حوت من عجائب الصفات، ما ذكر معها من السماء والجبال والأرض لانتظام هذه الأشياء في نظر العرب في أوديتهم وبواديهم، وليدل على الاستدلال على إثبات الصانع، وأنه ليس مختصاً بنوع دون نوع، بل هو عام في كل موجوداته، كما قيل : وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
وقال أبو العباس : المبرد : الإبل هنا السحاب، لأن العرب قد تسميها بذلك، إذ تأتي إرسالاً كالإبل، وتزجى كما تزجى الإبل، وهي في هيئتها أحياناً تشبه الإبل والنعام، ومنه قوله : كأن السحاب ذوين السما
ء نعام تعلق بالأجل
وقال الزمخشري : ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله إلا طلب المناسبة، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب، كالغمام والمزن والرباب والغيم وغير ذلك، وإنما رأى السحاب مشبهاً بالإبل كثيراً في أشعارهم، فجوّز أن يراد بها السحاب على طريقة التشبيه والمجاز، انتهى. وقرأ الجمهور :) الإِبِلِ ( بكسر الباء وتخفيف اللام ؛ والأصمعي عن أبي عمرو : بإسكان الباء ؛ وعليّ وابن عباس : بشد اللام. ورويت عن أبي عمرو وأبي جعفر والكسائي وقالوا : إنها السحاب، عن قوم من أهل اللغة. وقال الحسن : خص الإبل بالذكر لأنها تأكل النوى والقت وتخرج اللبن، فقيل له : الفيل أعظم في الأعجوبة، وقال العرب : بعيدة العهد بالفيل، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره ولا يحلب دره. والإبل لا واحد له من لفظه وهو مؤنث، ولذلك إذا صغر دخلته التاء فقالوا : أبيلة، وقالوا في الجمع : آبال. وقد اشتقوا من لفظه فقالوا : تأبل الرجل، وتعجبوا من هذا الفعل على غير قياس فقالوا : ما آبل زيداً. وإبل اسم جاء على فعل، ولم يحفظ سيبويه مما جاء على هذا الوزن غيره. وكيف خلقت : جملة استفهامية في موضع البدل من الإبل، وينظرون : تعدى إلى الإبل بواسطة إلى، وإلى كيف خلقت على سبيل التعليق، وقد تبدل الجملة وفيها الاستفهام من الاسم الذي قبلها كقولهم : عرفت زيداً أبو من هو على أصح الأقوال، على أن العرب قد أدخلت إلى على كيف، فحكى أنهم قالوا : انظر إلى كيف يصنع. وكيف سؤال عن حال والعامل فيها خلقت، وإذا علق الفعل عن ما فيه الاستفهام، لم يبق الاستفهام على حقيقته، وقد بينا ذلك في كتابنا المسمى بالتذكرة وفي غيره.
وقرأ الجمهور :) خُلِقَتْ ( : رفعت، ( نُصِبَتْ ( سطحت بتاء التأنيث مبنياً للمفعول ؛ وعليّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بتاء المتكلم مبنياً للفاعل، والمفعول محذوف، أي خلقتها، رفعتها، نصبتها ؛ رفعت رفعاً بعيد المدى بلا عمد، نصبت نصباً ثابتاً لا تميل ولا تزول ؛ سطحت سطحاً حتى صارت كالمهاد للمتقلب عليها. وقرأ الجمهور :) سُطِحَتْ ( خفيفة الطاء ؛ والحسن وهارون : بشدّها.
الغاشية :( ٢١ ) فذكر إنما أنت.....
ولما حضهم على النظر، أمر رسوله ( ﷺ ) ) بتذكيرهم فقال :) فَذَكّرْ ( ولا يهمنك كونهم لا ينظرون. ) إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ (، كقوله تعالى :) إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلَاغُ ).
الغاشية :( ٢٢ ) لست عليهم بمصيطر
) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ ( : أي بمسلط، كقوله :) وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ). وقرأ الجمهور : بالصاد وكسر الطاء، وابن عامر في رواية، ونطبق عن قنبل، وزرعان عن حفص : بالسين ؛ وحمزة في رواية : بإشمام الزاي ؛ وهارون : بفتح الطاء، وهي لغة تميم. وسيطر متعد عندهم ويدل عليه فعل المطاوعة وهو تسطر، وليس في الكلام على هذا الوزن إلا مسيطر ومهيمن ومبيطر ومبيقر، وهي أسماء فاعلين من سيطر وهيمن وبيطر. وجاء مجيمر اسم واد ومديبر، ويمكن أن يكون أصلهما مدبر ومجمر فصغراً.
الغاشية :( ٢٣ - ٢٤ ) إلا من تولى.....
وقرأ الجمهور : إلا حرف استثناء فقيل متصل، أي فأنت مسيطر عليه. وقيل : متصل من فذكر، أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر، وما بينهما اعتراض. وقيل : منقطع، وهي آية موادعة نسخت بآية


الصفحة التالية
Icon