" صفحة رقم ٤٦٦ "
فيه للمبالغة لا للتعدي، ولا يقتضي ذلك قول الإنسان ) أَهَانَنِ (، لأن إعطاء ما يكفيه لا إهانة فيه.
الفجر :( ١٧ - ١٩ ) كلا بل لا.....
( كَلاَّ ( : رد على قولهم ومعتقدهم، أي ليس إكرام الله وتقدير الرزق سببه ما ذكرتم، بل إكرامه العبد : دّتيسيره لتقواه، وإهانته : تيسيره للمعصية ؛ ثم أخبرهم بما هم عليه من أعمالهم السيئة. وقال الزمخشري : كلا ردع للإنسان عن قوله، ثم قال : بل هنا شر من هذا القول، وهو أن الله تعالى يكرمهم بكثرة المال، فلا يؤدون فيها ما يلزمهم من إكرام اليتيم بالتفقد والمبرة وحض أهله على طعام المسكين ويأكلونه أكل الأنعام ويحبونه فيشحون به، انتهى. وفي الحديث :( أحب البيوت إلى الله تعالى بيت فيه يتيم مكرم ). وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو عمر : يكرمون ولا يحضون، ويأكلون ويحبون بياء الغيبة فيها ؛ وباقي السبعة، بتاء الخطاب، وأبو جعفر وشيبة والكوفيون وابن مقسم : تحاضون بفتح التاء والألف أصله تتحاضون، وهي قراءة الأعمش، أي يحض بعضكم بعضاً ؛ وعبدأ الله أو علقمة وزيد بن عليّ وعبد الله بن المبارك والشيرزي عن الكسائي : كذلك إلا أنهم ضموا التاء، أي تحاضون أنفسكم، أي بعضكم بعضاً، وتفاعل وفاعل يأتي بمعنى فعل أيضاً. ) عَلَى طَعَامِ (، يجوز أن يكون بمعنى إطعام، كالعطاء بمعنى الإعطاء، والأولى أن يكون على حذف مضاف، أي على بذل طعام.
( وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ (، كانوا لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد، فيأكلون نصيبهم ويقولون : لا يأخذ الميراث إلا من يقاتل ويحمي الحوزة، والتراث تاؤه بدل من واو، كالتكلة والتخمة من توكلت ووخمت. وقيل : كانوا يأكلون ما جمعه الميت من الظلمة وهم عالمون بذلك يجمعون بين الحلال والحرام ويسرفون في إنفاق ما ورثوه لأنهم ما تعبوا في تحصيله، كما شاهدنا الوراث البطالين.
الفجر :( ٢١ ) كلا إذا دكت.....
( كَلاَّ ( : ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم. ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فرطوا فيه في دار الدنيا. ) دَكّاً دَكّاً ( : حال كقولهم : باباً باباً، أي مكرراً عليهم الدّك.
الفجر :( ٢٢ ) وجاء ربك والملك.....
( وَجَاء رَبُّكَ (، قال القاضي منذر بن سعيد : معناه ظهوره للخلق هنالك، وليس بمجيء نقلة، وكذلك مجيء الطامّة والصاخة. وقيل : وجاء قدرته وسلطانه. وقال الزمخشري : هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قدرته وسلطانه، مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه، انتهى. والملك اسم جنس يشمل الملائكة. وروي أنه ملائكة كل سماء تكون صفاً حول الأرض في يوم القيامة. قال الزمخشري :) صَفّاً صَفّاً ( تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس، انتهى.
الفجر :( ٢٣ ) وجيء يومئذ بجهنم.....
( وَجِىء بِجَهَنَّمَ (، كقوله تعالى :) وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى (، ( يَوْمَئِذٍ ( بدل من ) إِذَا ). قال الزمخشري : وعامل النصب فيهما يتذكر، انتهى. ظاهر كلامه أن العامل في البدل هو العامل نفسه في المبدل منه، وهو قول قد نسب إلى سيبويه، والمشهور خلافه، وهو أن البدل على نية تكرار العامل، أي يتذكر ما فرط فيه. ) وَأَنَّى لَهُ الذّكْرَى ( : أي منفعة الذكرى، لأنه وقت لا ينفع فيه التذكر، لو اتعظ في الدنيا لنفعه ذلك في الأخرى، قاله الجمهور.
الفجر :( ٢٤ ) يقول يا ليتني.....
قال الزمخشري وغيره : أو وقت حياتي في الدنيا، كما تقول : جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا وكذا. وقال قوم : لحياتي في قبري، يعني الذي كنت أكذب به. قال الزمخشري : وهذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقاً بقصدهم وإرادتهم، وأنهم لم يكونوا محجورين عن الطاعات مجبرين على المعاصي، كمذهب أهل الأهواء والبدع، وإلا فما معنى التحسر ؟ انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
الفجر :( ٢٥ - ٢٦ ) فيومئذ لا يعذب.....
وقرأ الجمهور :) لاَّ يُعَذّبُ وَلاَ يُوثِقُ ( : مبنيين للفاعل، والضمير في ) عَذَابَهُ (، و ) وَثَاقَهُ ( عائد على الله تعالى، أي لا يكل عذابه ولا وثاقه إلى أحد، لأن الأمر لله وحده في ذلك ؛ أو هو من الشدّة في حيز لم يعذب قط أحد في