" صفحة رقم ٤٦٩ "
فيا رب مكروب كررت وراءه
وعان فككت الغل عنه فقدني
السغب : الجوع العام، وقد يقال سغب الرجل إذا جاع. ترب الرجل، إذا افتقر ولصق بالتراب، وأترب، إذا استغنى وصار ذا مال كالتراب، وكذلك أثرى. أوصدت الباب وآصدته، إذا أغلقته وأطبقته. قال الشاعر : تحن إلى أجبال مكة ناقتي
ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة
) لاَ أُقْسِمُ بِهَاذَا الْبَلَدِ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِئَايَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ ).
هذه السورة مكية في قول الجمهور، وقيل : مدنية. ولما ذكر تعالى ابتلاءه للإنسان بحالة التنعيم وحالة التقدير، وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر، وما آل إليه حاله وحال المؤمن، أتبعه بنوع من ابتلائه ومن حاله السيىء وما آل إليه في الآخرة. والإشارة لهذا البلد إلى مكة.
( وَأَنتَ حِلٌّ ( : جملة حالية تفيد تعظيم المقسم به، أي فأنت مقيم به، وهذا هو الظاهر. وقال ابن عباس وجماعة : معناه : وأنت حلال بهذا البلد، يحل لك فيه قتل من شئت، وكان هذا يوم فتح مكة. وقال ابن عطية : وهذا يتركب على قول من قال لا نافية، أي إن هذا البلد لا يقسم الله به، وقد جاء أهله بأعمال توجب الإحلال، إحلال حرمته. وقال شرحبيل بن سعد : يعني ) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ (، جعلوك حلالاً مستحل الأذى والقتل والإخراج، وهذا القول بدأ به الزمخشري، وقال : وفيه بعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة، وتعجب من حالهم في عداوته، أو سلى رسول الله ( ﷺ ) ) بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يحلو من مقاساة الشدائد، واعترض بأن وعده فتح مكة تتميماً للتسلية والتنفيس عنه، فقال : وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريده من القتل والأسر.
ثم قال الزمخشري : بعد كلام طويل : فإن قلت : أين نظير قوله :) وَأَنتَ حِلٌّ ( في معنى الاستقبال ؟ قلت : قوله عز وجل :) إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ (، واسع في كلام العباد، تقول لمن تعده الإكرام والحبا : وأنت مكرم محبو، وهو في كلام الله أوسع، لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة، وكفاك دليلاً قاطعاً على أنه للاستقبال، وأن تفسيره بالحال محال. إن السورة بالاتفاق مكية، وأين الهجرة من وقت نزولها ؟ فما بال الفتح ؟ انتهى. وحمله على أن الجملة اعتراضية لا يتعين، وقد ذكرنا أولاً أنها جملة حالية، وبينا حسن موقعها، وهي حال مقارنة، لا مقدرة ولا محكية ؛ فليست من الإخبار بالمستقبل. وأما سؤاله والجواب، فهذا لا يسأله من له أدنى تعلق بالنحو، لأن الأخبار قد تكون بالمستقبلات، وإن اسم الفاعل وما يجري مجراه حالة إسناده أو الوصف به لا يتعين حمله على الحال، بل يكون للماضي تارة، وللحال أخرى، وللمستقبل أخرى ؛ وهذا من مبادىء علم النحو. وأما قوله : وكفاك دليلاً قاطعاً الخ، فليس بشيء، لأنا لم نحمل ) وَأَنتَ حِلٌّ ( على أنه يحل لك ما تصنع في مكة من الأسر والقتل في وقت نزولها بمكة فتنافيا، بل حملناه على أنه مقيم بها خاصة، وهو وقت النزول كان مقيماً بها ضرورة. وأيضاً فما حكاه من الاتفاق على أنها نزلت بمكة فليس بصحيح، وقد حكى الخلاف فيها عن قول ابن عطية، ولا يدل قوله :) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَاذَا الْبَلَدِ ( على ما ذكروه من أن المعنى يستحل إذ ذاك، ولا على أنك تستحل فيه أشياء، بل الظاهر ما ذكرناه أولاً من


الصفحة التالية
Icon