" صفحة رقم ٤٧ "
فشريعة الدّين من ذلك، من حيث يرد الناس أمر الله ورحمته والقرب منه، من الأمور التي من دين الله الذي بعثه في عباده في الزمان السالف ؛ أو يكون مصدر أمر، أي من الأمر والنهي، وسمي النهي أمراً. ) أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (، قيل : جهال قريظة والنضير. وقيل : رؤساء قريش، حين قالوا : رجع إلى دين آبائك. ) هَاذَا بَصَائِرُ ( : أي هذا القرآن ؛ جعل ما نافية من معالم الدين، بصائر للقلوب، كما جعل روحاً وحياة. وقرىء : هذى، أي هذه الآيات. ) أَمْ حَسِبَ ( : أم منقطعة تتقدر ببل والهمزة، وهو استفهام إنكار. وقال الكلبي : نزلت في عليّ، وحمزة، وعبيدة بن الحارث، وفي عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة. قالوا للمؤمنين : والله ما أنتم على شيء، ولئن كان ما تقولون حقاً، لحالنا أفضل من حالكم في الآخرة ؛ كما هو أفضل في الدنيا. واجترحوا : اكتسبوا، والسيئات : هنا سيئات الكفر ؛ ونجعلهم : نصيرهم، والمفعول الثاني هو كالذين، وبه تمام المعنى. وقرأ الجمهور : سواء بالرفع، ومماتهم بالرفع أيضاً ؛ وأعربوا سواء : مبتدأ، وخبره ما بعده، ولا مسوغ لجواز الابتداء به، بل هو خبر مقدم، وما بعده المبتدأ. والجملة خبر مستأنف ؛ واحتمل الضمير في ) مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ( أن يعود على ) الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ (، أخبر أن حالهم في الزمانين سواء، وأن يعود على المجترحين والصالحين بمعنى : أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء في إهانتهم عند الله وعدم كرامتهم عليه، ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى، وذهن السامع يفرقه، إذ قد تقدم إبعاد الله أن يجعل هؤلاء كهؤلاء. قال أبو الدرداء : يبعث الناس على ما ماتوا عليه. وقال مجاهد : المؤمن يموت مؤمناً ويبعث مؤمناً، والكافر يموت كافراً ويبعث كافراً.
وقال ابن عطية : مقتضى هذا الكلام أنه لفظ الآية ؛ ويظهر لي أن قوله :) سَوَاء مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ( داخل في المحسنة المنكرة السيئة، وهذا احتمال حسن، والأول أيضاً أجود. انتهى. ولم يبين كيفية تشبث الجملة بما قبلها حتى يدخل في المحسنة. وقال الزمخشري : والجملة التي هي : سواء محياهم ومماتهم، بدل من الكاف، لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً ؛ فكانت في حكم المفرد. ألا تراك لو قلت : أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم كان سديداً ؟ كما تقول : ظننت زيد أبوه منطلق. انتهى. وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري، من إبدال الجملة من المفرد، قد أجازه أبو الفتح، واختاره ابن مالك، وأورد على ذلك شواهد على زعمه، ولا يتعين فيها البدل. وقال بعض أصحابنا، وهو الإمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عليّ الإشبيلي، ويعرف بابن العلج، وكان ممن أقام باليمن وصنف بها، قال في كتابه ( البسيط في النحو ) : ولا يصح أن يكون جملة معمولة للأول في موضع البدل، كما كان في النعت، لأنها تقدر تقدير المشتق تقدير الجامد، فيكون بدلاً، فيجتمع فيه تجوز أن، ولأن البدل يعمل فيه العامل الأول، فيصح أن يكون فاعلاً، والجملة لا تكون في موضع الفاعل بغير سائغ، لأنها لا تضمر، فإن كانت غير معمولة، فهل تكون جملة ؟ لا يبعد عندي جوازها، كما يتبع في العطف الجملة للجملة، ولتأكيد الجملة التأكيد اللفظي. انتهى.
وتبين من كلام هذا الإمام، أنه لا يجوز أن تكون الجملة بدلاً من المفرد، وأما تجويز الزمخشري أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم، فيظهر لي أنه لا يجوز ؛ لأنها بمعنى التصيير. لا يجوز صيرت زيداً أبوه قائم، ولا صيرت زيداً غلامه منطلق، لأن التصيير انتقال من ذات إلى ذات، أو من وصف في الذات إلى وصف فيها. وتلك الجملة الواقعة بعد مفعول صيرت المقدرة مفعولاً ثانياً، ليس فيها انتقال مما ذكرنا، فلا يجوز والذي يظهر لي أنه إذا قلنا بتشبث الجملة بما قبلها، أن تكون الجملة في موضع الحال، والتقدير : أم حسب الكفار أن نصيرهم مثل المؤمنين في حال استواء محياهم ومماتهم ؟ ليسوا كذلك، بل هم مفترقون، أي افتراق في الحالتين، وتكون هذه الحال مبينة ما انبهم في المثلية الدال عليها الكاف، التي هي في موضع المفعول الثاني. وقرأ زيد بن علي، وحمزة، والكسائي، وحفص : سواء بالنصب، وما بعده مرفوع على الفاعلية، أجرى سواء مجرى مستوياً، كما قالوا : مررت برجل سواء هو