" صفحة رقم ٥٢٢ "
١٠٩
( سورة الكافرون )
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
٢ ( ) قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ( ) ) ٢) قُلْ ياأَهْلَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ).
الكافرون :( ١ ) قل يا أيها.....
هذه مكية في قول الجمهور. وروي عن قتادة أنها مدنية. وذكروا من أسباب نزولها أنهم قالوا له عليه الصلاة والسلام : دع ما أنت فيه ونحن نموّلك ونزوجك من شئت من كرائمنا، ونملكك علينا ؛ وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ونحن نعبد إلهك حتى نشترك، فحيث كان الخير نلناه جميعاً. ولما كان أكثر شانئه قريشاً، وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة، أنزل الله تعالى هذه السورة تبرياً منهم وإخباراً لا شك فيه أن ذلك لا يكون. وفي قوله :) قُلْ ( دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله، وخطابه لهم بيا أيها الكافرون في ناديهم، ومكان بسطة أيديهم مع ما في الوصف من الأرذال بهم دليل على أنه محروس من عند الله تعالى لا يبالي بهم. والكافرون ناس مخصوصون، وهم الذين قالوا له تلك المقالة : الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وأمية وأبيّ ابنا خلف، وأبو جهل، وابنا الحجاج ونظراؤهم ممن لم يسلم، ووافى على الكفر تصديقاً للإخبار في قوله :
الكافرون :( ٢ - ٥ ) لا أعبد ما.....
( وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ). وللمفسرين في هذه الجمل أقوال :
أحدها : أنها للتوكيد. فقوله :) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ( توكيداً لقوله :) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (، وقوله :) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ( ثانياً تأكيد لقوله :) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ( أولاً. والتوكيد في لسان العرب كثير جداً، وحكوا من ذلك نظماً ونثراً ما لا يكاد يحصر. وفائدة هذا التوكيد قطع أطماع الكفار، وتحقيق الأخبار بموافاتهم على الكفر، وأنهم لا يسلمون أبداً.
والثاني : أنه ليس للتوكيد، واختلفوا. فقال الأخفش : المعنى لا أعبد الساعة ما تعبدون، ولا أنتم عابدون السنة ما أعبد، ولا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم، ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد، فزال التوكيد، إذ قد تقيدت كل جملة بزمان مغاير.
وقال أبو مسلم : ما في الأوليين بمعنى الذي، والمقصود المعبود. وما في الأخريين مصدرية، أي لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك وترك النظر، ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين. وقال ابن عطية : لما كان قوله :) لاَ أَعْبُدُ ( محتملاً أن يراد به الآن، ويبقى المستأنف منتظراً ما يكون فيه، جاء البيان بقوله :) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ( أبداً وما حييت. ثم جاء قوله :) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ( الثاني حتماً عليهم أنهم لا يؤمنون به أبداً، كالذي كشف الغيب. فهذا كما قيل لنوح عليه السلام :) وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ ). أما أن هذا في معينين، وقوم نوح عموا بذلك، فهذا معنى الترديد الذي في السورة، وهو بارع الفصاحة، وليس بتكرار فقط، بل فيه ما ذكرته، انتهى.
وقال الزمخشري :) لاَ أَعْبُدُ (، أريدت به العبادة فيما يستقبل، لأن لا لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال، كما أن ما لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال، والمعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم، ولا أنتم فاعلون فيه