" صفحة رقم ٥٦ "
أي من العالي على الأرض، أي على وجهها من حيوان أو غيره. ثم وقفهم على عبارتهم فقال :) أَمْ لَهُمْ ( : أي : بل.
( أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السَّمَاوَاتِ ائْتُونِى بِكِتَابٍ مّن قَبْلِ هَاذَا ( : أي من قبل هذا الكتاب، وهو القرآن، يعني أن هذا القرآن ناطق بالتوحيد وبإبطال الشرك، وكل كتب الله المنزلة ناطقة بذلك ؛ فطلب منهم أن يأتوا بكتاب واحد يشهد بصحة ما هم عليه من عبادة غير الله. ) أَوْ أَثَارَةٍ مّنْ عِلْمٍ (، أي بقية من علم، أي من علوم الأولين، من قولهم : سمنت الناقة على أثارة من شحم، أو على بقية شحم كانت بها من شحم ذاهب. والأثارة تستعمل في بقية الشرف ؛ يقال : لبني فلان أثارة من شرف، إذا كانت عندهم شواهد قديمة، وفي غير ذلك قال الراعي : وذات أثارة أكلت علينا
نباتاً في أكمته قفارا
أي : بقية من شحم. وقرأ الجمهور : أو أثارة، وهو مصدر، كالشجاعة والسماحة، وهي البقية من الشيء، كأنها أثرة. وقال الحسن : المعنى : من علم استخرجتموه فتثيرونه. وقال مجاهد : المعنى : هل من أحد يأثر علماً في ذلك ؟ وقال القرطبي : هو الإسناد، ومنه قول الأعشى : إن الذي فيه تماريتما
بين للسامع والآثر
أي : وللمستدعين غيره ؛ ومنه قول عمر رضي الله عنه : فما خلفت به ذاكراً ولا آثراً. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة : المعنى : أو خاصة من علم، فاشتقاقها من الأثرة، فكأنها قد آثر الله بها من هي عنده. وقال ابن عباس : المراد بالأثارة : الخط في التراب، وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر تفسيره. الأثارة بالخط يقتضي تقوية أمر الخط في التراب، وأنه شيء ليس له وجه إذاية وقف أحد إليه. وقيل : إن صح تفسير ابن عباس الإثارة بالخط في التراب، كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم. وقرأ علي، وابن عباس : بخلاف عنهما، وزيد بن علي، وعكرمة، وقتادة، والحسن، والسلمي، والأعمش، وعمرو بن ميمون : أو أثرة بغير ألف، وهي واحدة، جمعها أثر ؛ كقترة وقتر ؛ وعلي، والسلمي، وقتادة أيضاً : بإسكان الثاء، وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر، أي قد قنعت لكم بخبر واحد وأثر واحد يشهد بصحة قولكم. وعن الكسائي : ضم الهمزة وإسكان الثاء. وقال ابن خالويه، وقال الكسائي على لغة أخرى : إثرة وأثرة يعني بكسر الهمزة وضمها.
الأحقاف :( ٥ ) ومن أضل ممن.....
( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ( يعبد الأصنام، وهي جماد لا قدرة لها على استجابة دعائهم ما دامت الدنيا، أي لا يستجيبون لهم أبداً، ولذلك غياً انتفاء استجابتهم بقوله :) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (، ومع ذلك لا شعور لهم بعبادتهم إياهم، وهم في الآخرة أعداء لهم، فليس لهم في الدنيا بهم نفع، وهم عليهم في الآخرة ضرر، كما قال تعالى :) سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ). وجاء ) اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ (، لأنهم يسندون إليهم ما يسند لأولي العلم من الاستجابة والغفلة ؛ وكأن ) مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ ( يراد به من عبد من دون الله من إنس وجن وغيرهما، وغلب من يعقل، وحمل أولاً على لفظ من لا يستجيب، ثم على المعنى في : وهم من ما بعده. والظاهر عود الضمير أولاً على لفظ ) مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ (، ثم على المعنى في : وهم على معنى من في :) مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ (، كما فسرناه. وقيل : يعود على معنى من في :) وَمَنْ أَضَلُّ (، أي والكفار عن ضلالهم


الصفحة التالية
Icon