" صفحة رقم ٥٨ "
أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت ورأيتها، يعني فى منامه، ذات نخل وشجر ؟ وقال ابن عباس، وأنس بن مالك، وقتادة، والحسن، وعكرمة : معناه في الآخرة، وكان هذا في صدر الإسلام، ثم بعد ذلك عرفه الله تعالى أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأن المؤمنين لهم من الله فضل كبير وهو الجنة، وبأن الكافرين في نار جهنم ؛ وهذا القول ليس بظاهر، بل قد أعلم سبحانه من أول الرسالة حال الكافر وحال المؤمن. وقيل :) مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ ( من الأوامر والنواهي، وما يلزم الشريعة. وقيل : نزلت في أمر كان النبي ( ﷺ ) ) ينتظره من الله في غير الثواب والعقاب.
( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ ( : استسلام وتبرؤ من علم المغيبات، ووقوف مع النذارة إلا من عذاب الله. وقرأ الجمهور : ما يفعل بضم الياء مبنياً للمفعول ؛ وزيد بن عليّ، وابن أبي عبلة : بفتحها. والظاهر أن ما استفهامية، وأدري معلقة ؛ فجملة الاستفهام موصولة منصوبة. انتهى. والفصيح المشهور أن دَرَى يتعدى بالباء، ولذلك حين عدي بهمزة النقل يتعدى بالباء، نحو قوله :) وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ (، فجعل ما استفهامية هو الأولى والأجود، وكثيراً ما علقت في القرآن نحو :) وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ (، ويفعل مثبت غير منفي، لكنه قد انسحب عليه النفي، لاشتماله على ما ويفعل ؛ فلذلك قال :) وَلاَ بِكُمْ ). ولولا اعتبار النفي، لكان التركيب ) مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ ). ألا ترى زيادة من في قوله :) أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ ( ؟ لانسحاب قوله :) مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( على يود وعلى متعلق يود، وهو أن ينزل، فاذا انتفت ودادة التنزيل انتفى التنزيل. وقرأ ابن عمير : ما يوحي، بكسر الحاء، أي الله عز وجل.
( قُلْ أَرَءيْتُمْ ( : مفعولاً أرأيتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما، والتقدير : أرأيتم حالكم إن كان كذا ؟ ألستم ظالمين ؟ فالأول حالكم، والثاني ألستم ظالمين، وجواب الشرط محذوف ؛ أي فقد ظلمتم، ولذلك جاء فعل الشرط ماضياً. وقال الزمخشري : جواب الشرط محذوف تقديره : إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به، ألستم ظالمين ؟ ويدل على هذا المحذوف قوله :) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ). انتهى. وجملة الاستفهام لا تكون جواباً للشرط إلا بالفاء. فإن كانت الأداة الهمزة، تقدمت الفاء نحو : إن تزرنا، أفما نحسن إليك ؟ أو غيرها تقدمت الفاء نحو : إن تزرنا، فهل ترى إلا خيراً ؟ فقول الزمخشري : ألستم ظالمين ؟ بغير فاء، لا يجوز أن يكون جواب الشرط. وقال ابن عطية : وأرأيتم يحتمل أن تكون منبهة، فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولاً. ويحتمل أن تكون الجملة : كان وما عملت فيه، تسد مسد مفعوليها. انتهى. وهذا خلاف ما قرره محققو النحاة في أرأيتم. وقيل : جواب الشرط.
( قُلْ أَرَءيْتُمْ ( : أي فقد آمن محمد به، أو الشاهد، واستكبرتم أنتم عن الإيمان. وقال الحسن : تقديره فمن أضل منكم. وقيل : فمن المحق منا ومنكم، ومن المبطل ؟ وقيل : إنما تهلكون، والضمير في به عائد على ما عاد عليه اسم كان، وهو القرآن. وقال الشعبي : يعود على الرسول، والشاهد عبد لله بن سلام، قاله الجمهور، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن سيرين ؛ والآية مدنية. وعن عبد الله بن سلام : نزلت في آيات من كتاب الله، نزلت في ) وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْراءيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَئَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ). وقال مسروق : الشاهد موسى عليه السلام، لا ابن سلام، لأنه أسلم بالمدينة، والسورة مكية، والخطاب في ) وَكَفَرْتُمْ بِهِ ( لقريش. وقال الشعبي : الشاهد من آمن من بني إسرائيل بموسى والتوارة، لأن ابن سلام أسلم قبل وفاة النبي ( ﷺ ) ) بعامين، والسورة مكية. وقال سعد بن أبي وقاص، ومجاهد، وفرقة : الآية مكية، والشاهد عبد الله بن سلام، وهي من الآيات التي تضمنت غيباً أبرزه الوجود، وعبد الله بن سلام مذكور في الصحيح، وفيه بهت لليهود لعنهم الله.
ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ، ما يعتقدونه في عبد الله بن سلام، أنه ( ﷺ ) ) حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها، اجتمع بأحبار اليهود وقص


الصفحة التالية
Icon