" صفحة رقم ٦٨ "
قياساً على هذا، والصحيح قصر ذلك على السماع، فكأنه في الآية قال : أليس الله بقادر ؟ ألا ترى كيف جاء ببلى مقرراً لإحياء الموتى لا لرؤيتهم ؟ وقرأ الجحدري، وزيد بن علي، وعمرو بن عبيد، وعيسى، والأعرج : بخلاف عنه ؛ ويعقوب : يقدر مضارعاً.
( أَلَيْسَ هَاذَا بِالْحَقّ ( : أي يقال لهم، والإشارة بهذا إلى العذاب. أي كنتم تكذبون بأنكم تعذبون، والمعنى : توبيخهم على استهزائهم بوعد الله ووعيده وقولهم :) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ). ) قَالُواْ بَلَى وَرَبّنَا (، تصديق حيث لا ينفع. وقال الحسن : إنهم ليعذبون في النار وهم راضون بذلك لأنفسهم، يعترفون أنه العدل، فيقول لهم المجاوب من الملائكة عند ذلك :) فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
الأحقاف :( ٣٥ ) فاصبر كما صبر.....
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ( : الفاء عاطفة هذه الجملة على الجملة من أخبار الكفار في الآخرة، والمعنى بينهما مرتبط : أي هذه حالهم مع الله. فلا تستعجل أنت واصبر، ولا تخف إلا الله. وأولو العزم : أي أولو الجد من الرسل، وهم من حفظ له شدة مع قومه ومجاهدة. فتكون من للتبعيض، وقيل : يجوز أن تكون للبيان، أي الذين هم الرسل، ويكون الرسل كلهم أولى العزم ؛ وأولو العزم على التبعيض يقتضي أنهم رسل وغير رسل ؛ وعلى البيان يقتضي أنهم الرسل، وكونها للتبعيض قول عطاء الخراساني والكلبي، وللبيان قول ابن زيد. وقال الحسن بن الفضل : هم الثمانية عشر المذكورة في سورة الأنعام، لأنه قال عقب ذكرهم :) فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ). وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه طويلاً، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق صبر نفسه على الذبح، ويعقوب صبر على الفقد لولده وعمي بصره وقال فصبر جميل، ويوسف صبر على السجن والبئر، وأيوب على البلاء. وزاد غيره : وموسى قال قومه :) إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ (، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنها معبر، فاعبروها ولا تعمروها.
( وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ( : أي لكفار قريش بالعذاب، أي لا تدع لهم بتعجيله، فإنه نازل بهم لا محالة وإن تأخر، وإنهم مستقصرن حينئذ مدة لبثهم في الدنيا، كأنهم ) لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً ). وقرأ أبي : من النهار ؛ وقرأ الجمهور : من نهار. وقرأ الجمهور : بلاغ، بالرفع، والظاهر رجوعه إلى المدة التي لبثوا فيها، كأنه قيل : تلك الساعة بلاغهم، كما قال تعالى :) مَتَاعٌ قَلِيلٌ (، فبلاغ خبر مبتدأ محذوف. قيل : ويحتمل أن يكون بلاغ يعني به القرآن والشرع، أي هذا بلاغ، أي تبليغ وإنذار. وقال أبو مجلز : بلاغ مبتدأ وخبره لهم ؛ ويقف على فلا تستعجل، وهذا ليس بجيد، لأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض، إذ ظاهر قوله : لهم، أنه متعلق بقوله : فلا تستعجل لهم، والحيلولة الجملة التشبيهية بين الخبر والمبتدأ. وقرأ الحسن، وزيد بن علي، وعيسى : بلاغاً بالنصب، فاحتمل أن يراد : بلاغاً في القرآن، أي بلغوا بلاغاً، أو بلغنا بلاغاً. وقرأ الحسن أيضاً : بلاغ بالجر، نعتاً لنهار. وقرأ أبو مجلز، وأبو سراح الهذلي : بلغ علي الأمر، للنبي ( ﷺ ) )، وهذا يؤيد حمل بلاغ رفعاً ونصباً على أنه يعني به تبليغ القرآن والشرع. وعن أبي مجلز أيضاً : بلغ فعلاً ماضياً. وقرأ الجمهور : يهلك، بضم الياء وفتح اللام، وابن محيصن، فيما حكى عنه ابن خالويه : بفتح الياء وكسر اللام ؛ وعنه أيضاً : بفتح الياء واللام، وماضيه هلك بكسر اللام، وهي لغة. وقال أبو الفتح : هي مرغوب عنها. وقرأ زيد بن ثابت : يهلك، بضم الياء وكسر اللام. ) إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ( : بالنصب، وفي هذه الآية وعيد وإنذار.