" صفحة رقم ٧ "
وقيل : والكتاب أريد به الكتب المنزلة، والضمير في جعلناه يعود على القرآن، وإن لم يتقدم له صريح الذكر لدلالة المعنى عليه. وقال الزمخشري : جعلناه، بمعنى صيرناه، معدى إلى مفعولين، أو بمعنى خلقناه معدى إلى واحد، كقوله :) وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ). ) وَقُرْءانًا عَرَبِيّاً ( : حال. ولعل : مستعارة لمعنى الإرداة، لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، أي خلقناه عربياً غير عجمي. أراد أن تعقله العرب، ولئلا يقولوا :) لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ ). انتهى، وهو على طريقة الاعتزال في كون القرآن مخلوقاً. ) أُمُّ الْكِتَابِ ( : اللوح المحفوظ، لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب، وهذا فيه تشريف للقرآن، وترفيع بكونه. لديه علياً : على جميع الكتب، وعالياً عن وجوه الفساد. حكيماً : أي حاكماً على سائر الكتب، أو محكماً بكونه في غاية البلاغة والفصاحة وصحة المعاني. قال قتادة وعكرمة والسدي : اللوح المحفوظ : القرآن فيه بأجمعه منسوخ، ومنه كان جبريل ينزل. وقيل : أم الكتاب : الآيات المحكمات، لقوله :) هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ (، ومعناه : أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمات التي هي الأم. وقرأ الجمهور : في أم، بضم الهمزة، والإخوان بكسرها، وعزاها ابن عطية يوسف بن عمرو إلى العراق، ولم يعزها للإخوان عقلة منه. يقال : ضرب عن كذا، وأضرب عنه، إذا أعرض عنه. والذكر، قال الضحاك وأبو صالح : القرآن، أي افترائي عنكم القرآن. وقولهم : ضرب الغرائب عن الحوض، إذا أدارها ونحاها، وقال الشاعر : اضرب عنك الهموم طارقها
ضربك بالسيف قونس الفرس
وقيل : الذكر : الدعاء إلى الله والتخويف من عقابه. قال الزمخشري : والفاء للعطف على محذوف تقديره : أنهملكم فنضرب عنكم الذكر إنكاراً ؟ لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب وخلقه قرآناً عربياً لتعقلوه وتعملوا بموجبه. انتهى. وتقدم الكلام معه في تقديره فعلاً بين الهمزة والفاء في نحو :) أَفَلَمْ يَسِيرُواْ ( ؟ ) أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( ؟ وبينها وبين الواو في نحو :) أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ ( ؟ كما وأن المذهب الصحيح قول سيبويه والنحويين : أن الفاء والواو منوي بهما التقديم لعطف ما بعدهما على ما قبلهما، وأن الهمزة تقدمت لكون الاستفهام له صدر الكلام، ولا خلاف بين الهمزة والحرف، وقد رددنا عليه قوله : وقال ابن عباس ومجاهد : المعنى : أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفواً عنكم وعفواً عن إجرامكم ؟ أن كنتم أو من أجل أن كنتم قوماً مسرفين ؟ أي هذا لا يصلح. ونحا قتادة إلى أن المعنى صفحاً، أي معفوا عنه، أي نتركه. ثم لا تؤاخذون بقوله ولا بتدبره، ولا تنبهون عليه. وهذا المعنى نظير قول الشاعر : ثم الصبا صفحاً بساكن ذي الفضا
وبصدع قلبي أن يهب هبوبها
وقول كثير :
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة فمن مل منها ذلك الوصل ملت
وقال ابن عباس : المعنى : أفحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به ؟ وقال الكلبي : أن نترككم هملاً بلا أمر ولا نهي ؟ وقال مجاهد أيضاً : أن لا نعاقبكم بالتكذيب ؟ وقيل : أن نترك الإنزال للقرآن من أجل تكذبيهم ؟ وقرأ حسان بن عبد الرحمن الضبغي، والسميط بن عمير، وشميل بن عذرة : بضم الصاد، والجمهور : بفتحها، وهما لغتان،


الصفحة التالية
Icon