صفحة رقم ١٢٣
به مؤمني أهل الكتاب كعبدالله بن سلام وأصحابه ) يعرفونه ( أي يعرفون محمداً ( ﷺ ) معرفة جلية بالوصف المعين الذي يجدونه عندهم ) كما يعرفون أبناءهم ( أي لا يشكون فيه ولا تشتبه عليهم كما لا يشتبه عليهم أبناؤهم من أبناء غيرهم، روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لعبدالله بن سلام : إن الله أنزل على نبيه محمد ( ﷺ ) :( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ( فكيف هذه المعرفة ؟ فقال عبدالله : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي بمحمد ( ﷺ ) أشد من معرفتي بابني فقال عمر وكيف ذلك فقال : أشهد أنه رسول الله حق من الله وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء، فقبل عمر رأس عبدالله وقال : وفقك الله با ابن سلام فقد صدقت.
وقيل : الضمير في يعرفونه يعود إلى أمر القبلة والمعنى أن علماء اليهود والنصارى يعرفون أن القبلة التي صرفتك إليها هي قبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك كما يعرفون أبناءهم لا يشكون في ذلك ) وإن فريقاً منهم ( أي من علماء أهل الكتاب ) ليكتمون الحق ( يعني صفة محمد ( ﷺ ).
وقيل أمر القبلة ) وهم يعلمون ( يعني أن كتمان الحق معصية.
وقيل يعلمون أن صفة محمد ( ﷺ ) مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل وهم مع ذلك يكتمونه ) الحق ( أي الذي يكتمونه هو الحق ) من ربك فلا تكونن من الممترين ( أي من الشاكين في أن الذين تقدم ذكرهم، علموا صحة نبوتك وقيل : يرجع إلى أمر القبلة والمعنى أن بعضهم عاند وكتم الحق فلا تشك في ذلك.
فإن قلت : النبي ( ﷺ ) لم يمتر ولم يشك فما معنى هذا النهي ؟.
قلت : هذا خطاب وإن كان للنبي ( ﷺ ) ولكن المراد غيره والمعنى فلا تشكوا أنتم أيها المؤمنون وقد تقدم نظير هذا.
قوله عز وجل :( ولكل وجهة ( أي ولكل أهل ملة قبلة، والوجهة اسم للمتوجه إليه، وقيل الوجهة الهيئة والحالة في التوجه إلى القبلة، وقيل في قوله :( ولكل وجهة ( إن المراد به جميع المؤمنين، أي ولكل أهل جهة من الآفاق وجهة من الكعبة يصلون إليها.
وقيل : المراد بالوجهة المنهاج والشرع والمعنى ولكل قول شريعة وطريقة لأن الشرائع مصالح للعباد فلهذا اختلفت الشرائع بحسب اختلاف الزمان والأشخاص ) هو موليها ( أي مستقبلها والمعنى أن لكل أهل ملة وجهة وجهة هو مول وجهه إليها، وقيل : متوليها أي مختارها وقيل : إن هو عائد على اسم الله تعالى، والمعنى إن الله موليها إياه، وقرئ مولاّها أي مصروف إليها ) فاستبقوا الخيرات ( أي بادروا بالطاعات وقبول الأوامر وفيه حث على المبادرة إلى الأولوية والأفضلية.
فعلى هذا تكون الآية دليلاً لمذهب الشافعي في أن الوقت أفضل لقوله : فاستبقوا الخيرات لأن ظاهر الأمر للوجوب، فإذا لم يتحقق الوجوب فلا أقل من الندب ) أينما تكونوا ( يعني أنتم وأهل الكتاب ) يأت بكم الله جميعاً ( يعني يوم القيامة فهو وعد لأهل الطاعة بالثواب ووعيد لأهل المعصية بالعقاب ) إن الله على كل شيء قدير ( أي على الإعادة بعد الموت والإثابة لأهل الطاعة والعقاب لمستحق العقوبة.
البقرة :( ١٤٩ - ١٥٠ ) ومن حيث خرجت...
" ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون " ( قوله عز وجل :( ومن حيث خرجت فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام ( أي من أي موضع خرجت في سفر وغيره فول وجهك يا محمد قبل المسجد الحرام ونحوه ) وإنه ( يعني التوجه إليه ) للحق