صفحة رقم ١٦٥
الفرع الثاني :
لا يقدر للاعتكاف زمان عند الشافعي وأقله لحظة، ولا حد لأكثره، فلو نذر اعتكاف ساعة صح نذره، ولو نذر أن يعتكف مطلقاً يخرج من نذره باعتكاف ساعة.
قال الشافعي : وأحب أن يعتكف يوماً، وإنما قال ذلك للخروج من الخلاف فإن أقل زمن الاعتكاف عند مالك وأبي حنيفة يوم بشرط أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس.
الفرع الثالث :
الجماع حرام في حال الاعتكاف ويفسد به وأما ما دون الجماع كالقبلة ونحوها فمكروه ولا يفسد به عند أكثر العلماء، وهو أظهر قول الشافعي والثاني يبطل به وهو قول مالك، وقيل إن أنزل بطل اعتكافه وأن لم ينزل فلا، وهو قول أبي حنيفة، وأما الملامسة بغير شهوة فجائز، ولا يفسد به الاعتكاف لما روي عن عائشة :( أنها كانت ترجل النبي ( ﷺ ) وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه ) زاد في رواية :( وكان لا يدخل البيت إلاّ لحاجة إذا كان معتكفاً ) وفي رواية :( وكان لا يدخل البيت إلاّ لحاجة الإنسان ) أخرجاه في الصحيحين.
الترجيل تسريح الشعر، وقولها إلاّ لحاجة حوائج الإنسان كثيرة والمراد منها هناهنا كل ما يضطر الإنسان إليه مما لا يجوز له فعله في المسجد وموضع معتكفة.
وقوله تعالى :( تلك حدود الله ( يعني تلك الأحكام التي ذكرت في الصيام والاعتكاف من تحريم الأكل والشرب والجماع حدود الله وقيل حدود الله فرائض الله.
وأصل الحد في اللغة المنع، والحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر وحد الشيء بالوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره وقيل معنى حدود الله المقادير التي قدرها ومنع من مخالتفها ) فلا تقربوها ( أي فلا تأتوها ولا تغشوها.
فإن قلت في الآية إشكالان : أما الأول فهو أنه قال : تلك حدود الله وهو إشارة إلى ما تقدم من الأحكام وبعضها فيه إباحة وبعضها فيه حظر فكيف قال في الجميع فلا تقربوها ؟.
الإشكال الثاني هو أنه تعالى قال في هذه الآية :( تلك حدود الله فلا تقربوها ( وقال في آية أخرى :( تلك حدود الله فلا تعتدوها ( " وقال في آية أخرى :( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ( " فكيف الجمع بين هذه الآيات ؟.
قلت : الجواب عن السؤالين من وجهين : أما الإشكال الأول، فجوابه أن الأحكام التي تقدمت فيما قبل، وإن كانت كثيرة إلاّ أن أقربها إلى هذه الآية قوله تعالى :( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ( وذلك يوجب تحريم الجماع في حال الاعتكاف، وقال قبلها :( ثم أتموا الصيام إلى الليل ( وذلك يوجب تحريم الأكل والشرب في النهار فلما كان الأقرب إلى هذه الآية جانب التحريم قال ) تلك حدود الله فلا تقربوها ( والجواب عن الإشكال الثاني أن من كان في طاعة الله تعالى والعمل بفرائضه فهو منصرف في حيزي الحق فنهي أن يتعداه فيقع في حيز الباطل ثم بولغ في ذلك فنهي أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيزي الحق والباطل لئلا يداني الباطل فيقع فيه فهو كقوله ( ﷺ ) ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) وقيل أراد بحدوده هنا محارمه ومناهيه لقوله :( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ( ونحو هذا التحريم فهي حدود لا تقرب ) كذلك ( أي كما بين لكم ما أمركم به ونهاكم عنه كذلك ) يبين الله آياته ( أي معالم دنيه وأحكام شريعته ) للناس ( مثل هذا البيان الوافي ) لعلهم يتقون ( أي لكي يتقوا ما حرم عليهم فينجوا من العذاب.
البقرة :( ١٨٨ ) ولا تأكلوا أموالكم...
" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون " ( قوله عز وجل :( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( نزلت في امرئ القيس بن عباس ادّعى عليه ربيعة بن عبدان الحضرمي عند رسول الله


الصفحة التالية
Icon