صفحة رقم ٢٧٢
ما يطغى الإنسان فهو طاغوت فاعول من الطغيان ) ويؤمن بالله ( اي ويصدق بالله انه ربه ومعبوده من دون كل شيء كان يعبده وفيه إشارة إلى أنه لا بد للكافر أن يتوب أولاً عن الكفر ويتبرأ منه ثم يؤمن بعد ذلك بالله فمن فعل ذلك صح إيمانه وهو قوله تعالى :( فقد استمسك بالعروة الوثقى ( أي فقد تمسك واعتصم بالعقد الوثيق المحكم في الدين والوثقى تأنيث الأوثق وقيل العروة الوثقى السبب الذي يوصل إلى رضا الله تعالى وهو دين الإسلام ) لا انفصام لها ( أي لا انقطاع لها حتى تؤديه إلى الجنة والمعنى أن المتمسك بالدين الصحيح الذي هو دين الإسلام كالمتمسك بالشيء الوثيق الذي لا يمكن كسره ولا انقطاعه ) والله سميع ( يعني أنه تعالى يسمع قول من كفر بالطاغوت وأتى بالشهادتين ) عليم ( بما في قلبه من الإيمان وقيل معناه سميع لدعائك إياهم إلى الإسلام عليم بحرصك على إسلامهم.
البقرة :( ٢٥٧ - ٢٥٨ ) الله ولي الذين...
" الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين " ( قوله عز وجل :( والله ولي الذين آمنوا ( أي ناصرهم ومعينهم وقيل محبم ومتولي أمورهم فلا يكلهم إلى غيره وقيل هو متولي هدايتهم ) يخرجهم من الظلمات إلى النور ( أي من الكفر إلى الإيمان وكل ما في القرآن من ذكر الظلمات والنور، فالمراد به الكفر والإيمان غير الذي في سورة الأنعام وهو قوله تعالى وجعل الظلمات والنور، فالمراد به الليل والنهار وإنما سمي الكفر ظلمة لالتباس طريقه ولأن الظلمة تحجب الأبصار عن إدراك الحقائق فكذلك الكفر يحجب القلوب عن إدراك حقائق الإيمان وسمي الإسلام نوراً لوضوح طريقه وبيان أدلته ) والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ( يعني كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة ) يخرجونهم من النور إلى الظلمات ( أي من الهدى إلى الضلالة.
فإن قلت : كيف قال يخرجونهم من النور إلى الظلمات وهم كفار لم يكونوا في نور قط ؟ قلت : هم اليهود كانوا موقنين بمحمد ( ﷺ ) وصحة نبوته قبل أن يبعث لما يجدون في كتبهم من نعته وصفته فلما بعث كفروا به وجحدوا نبوته وقيل : هو على العموم في حق جميع الكفار سمي منع الطاغوت إياهم عن الدخول فيه إخراجاً من الإيمان بمعنى صدهم الطاغوت عنه وحرمهم خيره وإن لم يكونوا دخلوا فيه قط فهو كقول الرجل لأبيه أخرجتني عن مالك إذا أوصى به لغيره في حياته وحرمه منه وكقول الله تعالى إخباراً عن يوسف عليه السلام :( إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ( " ولم يكن قط في ملتهم ) أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( يعني الكفار والطاغوت أهل النار الذين يخلدون فيها دون غيرهم.
قوله عز وجل :( ألم تر إلى الذين حاجَّ إبراهيم في ربه ( يعني هل انتهى إليك يا محمد خبر الذي خاصم إبراهيم وجادله لأن ألم تر كلمة يوقف بها المخاطب على تعجب منها ولفظها استفهام كما يقال ألم تر إلى فلان كيف يصنع معناه هل رأيت فلاناً في صنعه والذي حاج إبراهيم هو نمرود بن كنعان الجبار وهو أول من وضع التاج على رأسه وتجبر