صفحة رقم ٢٩
بالغيب } أي يصدقون بالغيب، وأصل الإيمان في اللغة التصديق قال الله تعالى :( وما أنت بمؤمن لنا } " أي بمصدق فإذا فسر الإيمان بهذا فإنه لا يزيد ولا ينقص لأن التصديق لا يتجزأ حتى يتصور كما له مرة ونقصانه أخرى.
والإيمان في لسان الشرع عبارة عن التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، وإذا فسر بهذا فإنه يزيد وينقص وهو مذهب أهل السنة من أهل الحديث وغيرهم، وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألة وهي أن المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بموجب الإيمان من الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك من أركان الدين هل يسمى مؤمناً أم لا ؟ فيه خلاف، والمختار عند أهل السنة أنه لا يسمى مؤمناً لقوله ( ﷺ ) :( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) فنفى عنه اسم الإيمان أو كمال الإيمان وأنكر أكثر المتكلمين زيادة الإيمان ونقصانه، وقالوا : متى قبل الزيادة والنقصان كان ذلك شكاً وكفراً.
وقال المحققون من متكلمي أهل السنة : إن نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة الأعمال ونقصانها وبهذا أمكن الجمع بين ظواهر نصوص الكتاب والسنة التي جاءت بزيادة الإيمان ونقصانه وبين أصله من اللغة، وقال بعض المحققين : إن نفس التصديق قد يزيد وينقص بكثرة النظر في الأدلة والبراهين وقلة إمعان النظر في ذلك ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى وأثبت من إيمان غيرهم لأنهم لا تعتريهم شبهة في إيمانهم ولا تزلزل، وما غيرهم من آحاد الناس فليس كذلك، إذ لا يشك عاقل أن نفس تصديق أبو بكر رضي الله عنه لا يساويه تصديق غيره من آحاد الأمة وقيل إنما سمي الإقرار والعمل إيماناً لوجه المناسبة لأنه من شرائعه، والدليل على أن الأعمال من الإيمان ما روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( ﷺ ) :( الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) أخرجاه في الصحيحين.
البضع بكسر الباء ما بين الثلاثة إلى العشرة والشعبة القطعة من الشيء وإماطة الاذى عن الطريق وهو عزل الحجر والشوك ونحو ذلك عنه.
والحياء بالمد وهو انقباض النفس عن فعل القبيح وإنما جعل من الإيمان وهو اكتساب لأن المستحيي ينزجر باستحيائه عن المعاصي فصار من الإيمان، وقيل الإيمان مأخوذ من الأمن فسمي المؤمن مؤمناً لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله.
والإسلام هو الانقياد والخضوع فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيماناً إن لم يكن معه تصديق وذلك أن الرجل قد يكون مسلماً في الظاهر غير مصدق في الباطن
( ق ) عن أبي هريرة قال : كان رسول الله ( ﷺ ) يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال يا رسول الله ما الإيمان ( قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر ) قال يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال :( أن تعبد


الصفحة التالية
Icon