صفحة رقم ٣١٩
كأنه قال : كيف يكون ولد إله وقد صوره الله في الرحم.
آل عمران :( ٧ ) هو الذي أنزل...
" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب " ( قوله عز وجل :( هو الذي أنزل عليك الكتاب ( يعني القرآن ) منه آيات محكمات ( يعني مبينات مفصلات أحكمت عبارتها من احتمال التأويل والاشتباه سميت محكمة من الإحكام كأنه تعالى أحكمها فمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها ) هن أم الكتاب ( يعني هن أصل الكتاب الذي يعول عليه من الأحكام، ويعمل به في الحلال والحرام فإن قلت : كيف قال هن أم الكتاب ولم يقل أمهات الكتاب ؟ قلت : لأن الآيات في اجتماعها وتكاملها كالآية الواحدة وكلام الله كله شيء واحد.
وقيل : إن كل آية منهن أم الكتاب كما قال وجعلنا ابن مريم وأمة آية يعني أن كل واحد منهما آية ) وأخر ( جمع أخرى ) متشابهات ( يعني أن لفظه يشبه لفظ غيره ومعناه يخالف معناه.
فإن قلت : قد جعله هنا محكماً ومتشابهاً وجعله في موضع آخر كله محكماً فقال في أول هود ) الر كتاب أحكمت آياته ( " وجعله في موضع آخر كله متشابهاً.
فقال تعالى في الزمر :( الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً ( " فكيف الجمع بين هذه الآيات.
قلت : حيث جعله كله محكماً أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل وحيث جعله كله متشابهاً أراد أن بعضه يشبه بعضاً في الحسن والحق والصدق، وحيث جعله هنا بعضه محكماً وبعضه متشابهاً فقد اختلف عبارات العلماء فيه فقال ابن عباس : المحكمات الثلاث آيات التي في آخر سورة الأنعام وهي قوله تعالى :( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( " ونظيرها في بني إسرائيل ) وقضى ربك أن لا تعبدوا إلاّ إياه الآيات (.
وعنه أن الآيات المحكمة هي الناسخ والمتشابهات هي الآيات المنسوخة وبه قال ابن مسعود وقتادة والسدي وقيل إن المحكمات ما فيه أحكام الحلال والحرام والمتشابهات ما سوى ذلك يشبه بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً وقيل : إن المحكمات ما طلع الله عباده على معناه والمتشابه ما استاثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته نحو الخبر عن أشراط الساعة مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها وفناء الدنيا وقيام الساعة فجميع هذا مما استأثر الله بعلمه وقيل : إن المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلاّ وجهاً واحداً والمتشابه ما يحتمل أوجهاً وروي ذلك عن الشافعي وقيل إن المحكم سائر القرآن والمتشابه هي الحروف المقطعة في أوائل السور.
قال ابن عباس إن رهطاً من اليهود منهم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراؤهما أتوا النبي ( ﷺ ) فقال له حيي بلغنا : أنك أنزل عليك الم فأنشدك الله أأنزل عليك قال نعم.
قال : إن كان ذلك حقاً فإني أعلم مدة ملك أمتك هي إحدى وسبعون سنة فهل أنزل عليك غيرها ؟ قال : نعم آلمص قال : فهذه أكثر هي إحدى وستون ومائة فهل أنزل عليك غيرها ؟ قال نعم آلر قال : هذه أكثر هي مائتان وإحدى وثلاثون سنة فهل من غيرها ؟ قال : نعم آلمر قال هذه أكثر هي مائتان وإحدى وسبعون سنة.
وقد اختلط علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ أم بقليله ونحن ممن لا يؤمن بهذا.
فأنزل الله هذه الآية قوله تعالى.
) فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ( وقيل : إن المحكم ما لم تتكرر ألفاظه والمتشابه ما تكررت ألفاظه وقيل : إن المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان.
والمتشابه ما احتاج إلى بيان وقيل : إن المحكم هو الأمر والنهي والوعد والوعيد والمتشابه هو القصص والأمثال.
فإن قلت : إنما نزل القرآن لبيانه الدين وإرشاد العباد وهدايتهم فما فائدة المتشابه وهلا كان كله محكماً ؟ قلت : ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة أحدها.
أن القرآن أنزل بألفاظ العرب ولغاتهم وكلام العرب على ضربين أحدهما : الإيجاز


الصفحة التالية
Icon