صفحة رقم ٣٤٩
ففيه رد على النصارى الذين يدعون فيه الألوهية.
وقال الحسن بن الفضل : وكهلاً يعني ويكلم الناس كهلاً بعد نزوله من السماء وفي هذه نص على أنه سينزل من السماء إلى الأرض ويقتل الدجال.
وقال مجاهد : الكهل الحكيم والعرب تمدح الكهولة لأنها الحالة الوسطى في احتناك السن واستحكام العقل وجوده الرأي والتجربة ) ومن الصالحين ( يعني أنه من العباد الصالحين مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وغيرهم من الأنبياء وإنما ختم أوصاف عيسى عليه السلام بكونه من الصالحين بعد ما وصفه بالأوصاف العظيمة.
لأن الصلاح من أعظم المراتب واشرف المقامات لأنه لا يسمى المرء صالحاً حتى يكون مواظباً على النهج الأصلح والطريق الأكمل في جميع أقواله وأفعاله.
فلما وصفه الله تعالى بكونه وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين وأنه يكلم الناس في المهد وكهلاً أردفه بقوله ومن الصالحين ليكمل له أعلى الدرجات وأشرف المقامات.
قوله عز وجل :( قالت ( يعني مريم ) رب ( يعني يا سيدي تقوله لجبريل لما بشرها بالود وقيل تقوله لله عز وجل :( أنى يكون لي ولداً ( أي من أين يكون لي ولد ) ولم يمسسني بشر ( أو لم يصبني رجل وانما قالت ذلك تعجباً لا شكاً في قدرة الله تعالى إذ لم تكن العادة جرت أن يولد ولد من غير أب ) قال كذلك الله يخلق ما يشاء ( يعني هكذا يخلق الله منك ولداً من غير أن يمسك بشر فيجعله آية للناس وعبرة فإنه يخلق ما يشاء ويصنع ما يريد وهو قوله ) إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ( يعني كما يريد ) ويعلمه الكتاب ( يعني الكتابة والخط باليد ) والحكمة ( يعني العلم والسنة وأحكام الشرائع ) والتوراة ( يعني التي أنزلت على موسى ) والإنجيل ( يعني الذي أنزل عليه وهذا إخبار من الله تعالى لمريم ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به من الكرامة وعلو المنزلة.
آل عمران :( ٤٩ ) ورسولا إلى بني...
" ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين " ( ) ورسولاً إلى بني إسرائيل ( أي ونجعله رسولاً إلى بني إسرائيل وكان أول أنبياء بني إسرائيل يوسف بن يعقوب وآخرهم عيسى ابن مريم عليه السلام فلما بعث إليهم قال ) أني قد جئتكم بآية من ربكم ( يعني علامة من ربكم على صدق قولي وإنما قال بآية وقد جاء بآيات كثيرة لأن الكل دل على شيء واحد وهو صدقة في الرسالة، فلما قال ذلك عيسى لبني إسرائيل قالوا : ما هذه الآية ؟ قال ) أني أخلق ( أي أصور وأقدر ) لكم من الطين كهيئة الطير ( والهيئة الصورة المهيأة من قولهم هيأت الشيء إذا قدرته وأصلحته ) فأنفخ فيه ( أي في الطين المهيأ المصور ) فيكون طيراً ( قرئ بلفظ الجمع لأن الطير اسم جنس يقع على الواحد والاثنين والجمع.
وقرئ فيكون طائراً على التوحيد على معنى يكون ما أنفخ فيه طائراً أو ما أخلقه يكون طائراً وقيل إنه لم يخلق غير الخفاش وهو الذي يطير في الليل، وإنما خص الخفاش لأنه من أكمل الطير خلقاً وذلك لأنه يطير بلا ريش وله أسنان ويقال : إن الأنثى منه لها ثدي وتحيض ذكروا أن عيسى عليه السلام لما ادّعى النبوة وأظهر لهم المعجزات أخذوا يتعنتون عليه فطلبوا منه أن يخلق لهم خفاشاً فأخذ طيناً وصوره كهيئة الخفاش، ثم نفخ فيه فإذا هو طير يطير بين السماء والأرض قال وهب : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عنهم سقط ميتاً ليتميز فعل المخلوق من فعل الخالق وهو الله تعالى، ليعلم أن الكمال لله تعالى :( بإذن الله ( معناه بتكوين الله وتخليقه والمعنى إني أعمل


الصفحة التالية
Icon