صفحة رقم ٣٥١
وقد رفعوا لك كذا فينطلق الصبي فيبكي على أهله حتى يعطوه ذلك الشيء فيقولون من أخبرك بهذا ؟ فيقول عيسى فحبسوا صبيانهم عنه وقالوا : لا تقعدوا مع ذلك الساحر وجمعوهم في بيت فجاء عيسى يطلبهم فقالوا : ليسوا هنا فقال : وما في البيت ؟ قالوا خنازير فقال كذلك يكونون.
ففتحوا عليهم الباب فإذا هم خنازير ففشا ذلك في بني إسرائيل وظهر فهموا به فخافت عليه أمه فحملته على حمار لها وخرجت هاربة إلى مصر.
وقال قتادة : إنما كان هذا في نزول المائدة وكان خواناً ينزل عليهم أينما كانوا فيه من طعام الجنة وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا الغد فخانوا وادخروا، فكان عيسى عليه السلام يخبرهم بما أكلوا من المائدة وما أدخروا منها فمسخهم الله خنازير وفي هذا دليل قاطع على صحة نبوة عيسى عليه السلام ومعجزة عظيمة له، وهي إخباره عن المغيبات مع ما تقدم له من الآيات الباهرات من إبراء الأكمه والأبرص وأحياء الموتى بإذن الله تعالى وإخباره عن الغيوب بإعلام الله إياه ذلك وهذا مما لا سبيل لأحد من البشر عليه إلاّ الأنبياء عليهم السلام، فإن قلت قد يخبر المنجم والكاهن عن مثل ذلك فما الفرق ؟.
قلت : إن المنجم والكاهن لا بد لكل واحد منهما من مقدمات يرجع إليها ويعتمد في أخباره عليها، أما المنجم فإنه يستعين على ذلك بواسطة معرفة الكواكب وامتزاجاتها أو بواسطة حساب الرمل أو نحو ذلك وقد يخطئ في كثير مما يخبر به، وأما الكاهن فإنه يستعين برائد من الجن وقد يخطئ أيضاً في كثير مما يخبر به وأما أخبار الأنبياء عليهم السلام عن المغيبات فليس إلاّ بالوحي السماوي وهو من الله تعالى وليس في ذلك باستعانة بواسطة حساب ولا غيره فحصل الفرق ) إن في ذلك ( يعني الذي تقدم ذكره من خلق الطير من الطين بإذن الله وإبراء والأكمه والأبرص والإخبار عن المغيبات ) لآية لكم ( أي لعبرة ودلالة على صدق أني رسول من الله إليكم ) إن كنتم مؤمنين ( يعني مصدقين بذلك.
آل عمران :( ٥٠ - ٥١ ) ومصدقا لما بين...
" ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " ( ) ومصدقاً ( قيل : إنه عطف على قوله ورسولاً وقيل إنه عطف على أني قد ) جئتكم بآية من ربكم ( والمعنى وجئتكم مصدقاً ) لما بين يدي من التوراة ( وذلك لأن الأنبياء عليهم السلام يصدق بعضهم بعضاً فكل واحد منهم يصدق الذي قبله ويصدق بما أنزل الله من الكتب والشرائع والأحكام فلهذا قال عيسى عليه السلام مصدقاً لما بين يدي من التوراة ) ولأحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم ( قال وهب بن منبه : أن عيسى كان على شريعة موسى عليهما السلام وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس وقال لبني إسرائيل : إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلاّ لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وأضع عنكم الآصار وذلك أن الله تعالى كان قد حرم على اليهود بعض الأشياء عقوبة لهم على بعض ما صدر منهم من الخيانات كما قال تعالى :( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( " فبقي ذلك التحريم مستمراً على اليهود إلى أن جاء عيسى عليه السلام فرفع عنهم تلك التشديدات التي كانت عليهم وقال قتادة : كان الذي جاء به عيسى الين من الذي جاء به موسى وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب والشحوم وأشياء من الطير والحيتان زاد بعضهم فجاءهم عيسى بالتخفيف وأحلها لهم وقال آخرون إن عيسى عليه السلام رفع كثيراً من أحكام التوراة ورفع السبت ووضع لأحد وكان ذلك كله بأمر الله فكان ذلك ناسخاً لتلك الأحكام


الصفحة التالية
Icon