صفحة رقم ٣٨١
نفسه فخاف من اليهود من الفضيحة وامتنعوا من إحضار التوراة فحصل بذلك كذبهم وأنهم ينسبون إلى التوراة ما ليس فيها وبطل قولهم بأن النسخ غير جائز، وفي هذا دليل على صحة نبوة محمد ( ﷺ ) وذلك أنه ( ﷺ ) كان رجلاً أمياً لم يقرأ الكتب ولم يعرف ما في التوراة، فلما أخبر أن ذلك ليس في التوراة علم أن الذي أخبر به ( ﷺ ) وحي من الله تعالى وقوله تعالى : كل الطعام يعني كل أنواع الطعام أو سائر المطعومات كان حلاً أي حلالاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، واختلفوا في الذي حرم يعقوب على نفسه قيل حرم لحوم الإبل وألبانها وروى الطبري بسنده عن ابن عباس : أن عصابة من اليهود حضرت رسول الله ( ﷺ ) فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة فقال رسول الله ( ﷺ ) ( أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضاً شديداً فطال سقمه منه فنذر لله نذراً لئن عافاه الله من سقمه ليحرمنَّ أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها ) ؟ فقالوا : اللّهم نعم.
وقال ابن عباس : هي العروق وكان سبب ذلك أنه اشتكى عرق النسا وكان أصل وجعه فيما روي عن الضحاك أن يعقوب كان نذراً لئن وهب الله له اثني عشر ولداً وأتى بيت المقدس صحيحاً أن يذبح أحدهم.
وفي رواية آخرهم فتلقاه ملك من الملائكة وقال : يا يعقوب وقال : يا يعقوب إنك رجل قوي فهل لك في الصراع ؟ فعالجه فلم يصرع أحدهما صاحبه فغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ثم قال أما إني لو شئت أن أصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لأنك قد نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحاً ذبحت آخر ولدك، فجعل الله لك بهذه الغمزة من ذلك مخرجاً، فلما قد يعقوب بيت المقدس أراد ذبح ولده ونسي ما قال له الملك فأتاه الملك وقال له : إنما غمزتك للمخرج وقد وفي نذرك فلا سبيل لك إلى ذبح ولدك.
وقال ابن عباس في آخرين أقبل يعقوب من حران يريد بيت المقدس حين هرب من أخيه العيص، وكان يعقوب رجلاً بطشاً قوياً فلقيه ملك في صورة رجل فظن يعقوب أنه لص فعالجه أن يصرعه فغمز الملك فخذ يعقوب وصعد إلى السماء ويعقوب ينظر فهاج به عرق النسا ولقي منه شدة فكان لا ينام الليل من الوجع ويبيت وله رغاء أي صياح، فحلف يعقوب لئن شفاه الله أن لا يأكل عرقاً ولا طعاماً فيه عرق فحرمه على نفسه فكان بنوه بعد ذلك يتبعون العروق ويخرجونها من اللحم ولا يأكلونها، وقيل لما أصاب يعقوب ذلك وصف له الأطبار أن يجتنب لحوم الإبل فحرمها يعقوب على نفسه، وقيل إنما حرم يعقوب لحوم الجزور تعبداً لله تعالى وسأل ربه أن تنجز فحرمه الله على ولده وهو ظاهر الآية لأن الله تعالى قال : كل الطعام اكن حلاًّ لبني إسرائيل، ثم استثنى ما حرم إسرائيل على نفسه فوجب بحكم الاستثناء أن يكون ذلك حراماً على بني إسرائيل أما قوله من قبل أن تنزل التوراة فمعناه أن قبل إنزال التوراة كان كل أنواع الطعام حلالاً لبني إسرائيل سوى ما حرمه إسرائيل على نفسه أما بعد نزول التوراة