صفحة رقم ٤٠
دالة على عجزهم وأنهم لم يأتوا بمثله ولا بمثل شيء منه.
وذلك أن النفوس الأبية إذا قرعت بمثل هذا التقريع استفرغت الوسع في الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه ولو قدروا على ذلك لأتوا به فحيث لم يأتوا بشيء ظهرت المعجزة للنبي ( ﷺ ) وبان عجزهم وهم أهل الفصاحة والبلاغة، والقرآن من جنس كلامهم، وكانوا حراصاً على إطفاء نوره وإبطال أمره ثم مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة من أحدهم ورضوا بسبى الذراري وأخذ الأموال والقتل وإذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح صدق رسول الله ( ﷺ ) وإذا كان الأمر كذلك وجب ترك العناد وهو قوله تعالى :( فاتقوا النار ( أي فآمنوا واتقوا بالإيمان النار ) التي وقودها ( أي حطبها ) الناس والحجارة ( قال ابن عباس يعني حجارة الكبريت لأنها أكثر التهاباً.
وقيل جميع الحجارة وفيه دليل على عظم تلك النار وقوتها.
وقيل أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت من الحجارة وإنما قرن الناس مع الحجارة لأنهم كانوا يعبدونها معتقدين فيها أنها تنفعهم وتشفع لهم فجعلها الله عذابهم في نار جهنم ) أعدت ( أي هيئت ) للكافرين ( قوله عزّ وجلّ :( وبشر الذين آمنوا ( أي أخبر المؤمنين، وهذا أمر للنبي ( ﷺ ).
والبشارة إيراد الخبر السار على سامع يستبشر به ويظهر السرور في بشرة وجهه لأن الإنسان إذا فرح بشيء وسر به ظهر ذلك على بشرة وجهه ثم كثر حتى وضع موضع الخير والشر ومنه قوله :( وبشرهم بعذاب أليم ( " ولكن هو في السرور والخير أغلب ) وعملوا الصالحات ( أي الفعلات الصالحات وهي الطاعات.
قيل العمل الصالح ما كان فيه أربعة أشياء : العلم والنية والصبر والإخلاص.
وقال عثمان بن عفان : وعملوا الصالحات أي أخلصوا الأعمال يعني عن الرياء ) أن لهم جنات ( جمع جنة وهي البستان الذي فيه أشجار مثمرة سميت جنة لاجتنابها وتسترها بالأشجار والأوراق.
وقيل : الجنة ما فيه نخيل والفردوس ما فيه كرم ) تجري من تحتها ( أي من تحت أشجارها ومساكنها ) الأنهار ( أي تجري المياه في الأنهار لأن الأنهار لا تجري وقيل معناه تجري بأمرهم وفي الحديث ( إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود ) أي في غير شق والخد الشق ) كلما رزقوا ( أي أطعموا ) منها ( أي من الجنة ) من ثمرة رزقاً ( أي طعاماً ) قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ( أي في الدنيا، وقيل : إن ثمار الجنة متشابهة في اللون مختلفة في الطعم فإذا رزقوا ثمرة بعد أخرى ظنوا أنها الأولى ) وأتوا به ( أي بالرزق ) متشابهاً ( قال ابن عباس مختلفاً في الطعوم وقيل يشبه بعضه بعضاً في الجودة لا رداءة فيها وقيل يشبه ثمار الدنيا في الاسم لا في الطعم ( م ) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال قال رسول الله ( ﷺ ) ( أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبزقون يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس طعامهم جشاء ورشح كرشح المسك ) وفي رواية ( ورشحهم المسك ).
قوله : يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس أي يجري على ألسنتهم كما يجري النفس فلا يشغلهم عن شيء كما أن النفس لا يشغل عن شيء قوله طعامهم جشاء، يعني أن فضول طعامهم يخرج في الجشاء وهو تنفس المعدة.
والرشح العرق وقوله