صفحة رقم ٤٠٠
آل عمران :( ١٠٥ - ١٠٦ ) ولا تكونوا كالذين...
" ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ( قوله عز وجل :( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ( يعني ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كالذين تفرقوا يعني أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى في قول أكثر المفسرين واختلفوا في دين الله وأمره ونهيه، وقيل تفرقوا واختلفوا بمعنى واحد وإنما ذكرهما للتأكيد وقيل تفرقوا بسبب العداوة واتباع الهوى واختلفوا في دين الله فصاروا فرقاً مختلفين قال الربيع في هذه الآية : هم أهل الكتاب نهى الله اهل الإسلام أن يتفرقوا أو يختلفوا كما تفرق واختلف أهل الكتاب.
وقال ابن عباس : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في الدين.
وقال بعضهم : هم المبتدعة من هذه الأمة وقال أبو أمامة : هم الحرورية : قال عبدالله بن شداد : وقف أبو أمامة وأنا معه على رؤوس الحرورية على درج جامع دمشق فذرفت عيناه ثم قال : كلاب أهل النار وكانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم، شر قتيل تحت أديم السماء، وخير قتيل تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء قلت فما شأنك دمعت عيناك قال رحمة لهم كانوا من أهل الإسلام فكفروا بعد إيمانهم ثم أخذ بيدي وقال : إن ربي بأرضي منهم كثير وفي رواية ثم قرأ بعد قوله :( فكفروا بعد إيمانهم ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ( إلى قوله :( أكفرتم بعد إيمانكم ( ورواه الترمذي عن أبي غالب قال رأى أبو أمامة : رؤوساً منصوبة على درج دمشق فقال أبو أمامة كلاب أهل النار شر قتلي تحت أديم السماء خير قتلي من قتلوه ثم قرأ :( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ( إلى آخر الاية قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله ( ﷺ ).
قال :( لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاث مرات أو أربع مرات حتى عد سبعاً ما حدثتكموه ) وقال فيه هذا حسن وقوله تعالى :( من بعد ما جاءهم البينات ( يعني الحجج الواضحات فعلموها ثم خالفوها وإنما قال جاءهم ولم يقل جاءتهم لجواز حذف علامة التأنيث من الفعل في التقديم تشبيهاً بعلامة التثنية والجمع ) وأولئك لهم عذاب عظيم ( يعني لهؤلاء الذين تفرقوا واختلفوا لهم عذاب عظيم في الآخرة وفيه زجر عظيم للمؤمنين عن التفرق والخلاف عن أي ذر قال : قال رسول الله ( ﷺ ) :( من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ) أخرجه أبو داود.
أراد بربقة الإسلام عقد الإسلام وأصله أن الربق حبل فيه عدة عرا يشد بها الغنم الواحدة من العري ربقة.
وروى البغوي بسنده عن عمر بن الخطاب أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد ) بحبوحة الجنة وسطها والفذ هو الواحد.
قوله عز وجل :( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ( يعني اذكروا يوم تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين، وقيل تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة، وقيل تبيض وجوه المخلصين وتسود وجوه المنافقين وفي بياض الوجوه وسوادها قولان : أحدهما، إن البياض كناية عن الفرح والسرور السواد كناية عن الغم والحزن،