صفحة رقم ٤٠٧
فعل الأكثر منهم وهو الكفر والمشاقة، ثم ذكر من كان مبايناً لهم في فعلهم فقال :( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ) قال ابن عباس : قائمة أي مهدية قائمة على أمر الله تعالى لم يضعوه ولم يتركوه، وقيل قائمة أي عادلة وقيل قائمة على كتاب الله عز وجل وحدوده وقيل : قائمة في الصلاة ) يتلون آيات الله ( أي يقرؤون كتاب الله عز وجل :( آناء الليل ( يعني ساعاته ) وهم يسجدون ( يعني يصلون، عبر بالسجود عن الصلاة لأن التلاوة لا تكون في السجود وقيل : هي صلاة التهجد بالليل وقيل هي صلاة العشاء لأن اليهود لا يصلونها وقيل يحتمل أنه أراد بالسجود الخضوع والخشوع لأن العرب تسمي الخشوع سجوداً وقال عطاء في قوله تعالى :( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ( يريد أربعين رجلاً من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه الصلاة والسلام وصدقوا بمحمد ( ﷺ ) وآمنوا به وكانوا عدة نفر من الأنصار منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة وأبو قيس صرمة بن أنس كانوا قبل الإسلام موحدين يغتسلون من الجنابة ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم الله عز وجل بالنبي صلىالله عليه وسلم فآمنوا به وصدقوه، ثم وصفهم الله تعالى بصفات ما كانت في اليهود فقال :( يؤمنون بالله واليوم الآخر ( وذلك لأن إيمان أهل الكتاب فيه شرك ويصفون اليوم الآخر بغير ما يصفه المؤمنون، وقيل إن الإيمان بالله يسلتزم الإيمان بجميع أنبيائه ورسله واليهود يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض والإيمان باليوم الآخر يستلزم الحذر من فعل المعاصي واليهود لا يحترزون منها فلم يحصل الإيمان الخالص بالله واليوم الآخر ) ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( يعني غير مداهنين كما يداهن اليهود بعضهم بعضاً.
وقيل يأمرون بالمعروف يعني بتوحيد الله تعالى والإيمان بمحمد ( ﷺ ) وينهون عن المنكر يعني عن الشرك وعن كتم صفة محمد ( ﷺ ) ) ويسارعون في الخيرات ( أي يبادرون إليها خوف الفوت وذلك أن من رغب في أمر سارع إليه وقام به غير متوان عنه وقيل يسارعون في الخيرات غير متثاقلين ولا كسالي ) وأولئك ( إشارة إلى الموصوفين بما وصفوا به ) من الصالحين ( أي من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله عز وجل ورضي عنهم واستحقوا ثناءه عليهم، وذلك لأن الصلاح ضد الفساد فإذا حصل الصلاح للإنسان فقد حصل له أعلى الدرجات وأكمل المقامات وقيل يحتمل أن يراد بالصالحين المسلمون والمعنى أولئك الذين تقدم وصفهم من جملة المسلمين.
آل عمران :( ١١٥ - ١١٨ ) وما يفعلوا من...
" وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون " ( قوله عز وجل :( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ( قرئ بالياء لأن الكلام متصل بما قبله من ذكر مؤمني أهل الكتاب وذلك أن اليهود لما قالوا لعبدالله بن سلام وأصحابه إنكم خسر ثم بسبب هذا الدين الذي دخلتم فيه فأخبر الله تعالى أنهم فازوا بالدرجات العلى وما فعلوه مكن خير يجازيهم به ولا يمنع من خصوص السبب عموم الحكم فيدخل فيه كل فاعل للخير وقرئ بالتاء على أنه ابتداء كلام وهو خطاب لجميع المؤمنين ويدخل فيه مؤمنوا أهل الكتاب أيضاً ومعنى الآية وما تفعلوا من خير أيها المؤمنون فلن تكفروه أي فلن تعدموا ثوابه ولن تجرموه أو تمنعوه بل يشكره لكم ويجازيكم به ) والله عليم بالمتقين ( فيه