صفحة رقم ٤٠٩
فاستحقوا عقابه فأبطل نفقاتهم وأهلك حرثهم وقيل ظلموا أنفسهم حيث لم يأتوا بنفقاتهم مستحقة للقبول.
قوله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ( الآية قال ابن عباس : كان رجال من المسلمين يواصلون اليهود لما بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع فأنزل الله عز وجل هذه الآية ونهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة عليهم ويدل على صحة هذا القول أن الآيات المتقدمة فيها ذكر اليهود فتكون هذه الآية كذلك.
وقيل كان قوم من المؤمنين يصافون المنافقين ويفشون إليهم الأسرار ويطلعونهم على الأحوال الخفية فنهاهم الله عن ذلك وحجة هذا القول أن الله ذكر في سياق هذه الآية قوله :( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ( " وهذه صفة المنافقين لا صفة اليهود وقيل المراد بهذه جميع أصناف الكفار، ويدل على صحة هذا القول معنى الآية لأن الله تعالى قال لا تتخذوا بطانة من دونكم فمنع المؤمنين أن يتخذوا بطانة من دون المؤمنين فيكون ذلك نهياً عن جميع الكفار والبطانة خاصة الرجل المطلع على سره واشتقاقه من بطانة الثوب بدلالة قولهم لبست فلاناً إذا اختصصته، ويقال فلا شعاري ودثاري والشعار الذي يلي الجسد وكذلك البطانة والحاصل أن الذي يخصه الإنسان بمزيد القرب يسمي بطانة لأنه يستبطن أمره ويطلع منه على ما لا يطلع عليه غيره ) من دونكم ( قبل من صلة زائدة والتقدير لا تتخذوا بطانة دونكم، وقيل من للتبيين أي لا تتخدوا بطانة من دون أهل ملتكم والمعنى لا تتخذوا أولياء ولا أصفياء من غير أهل ملتكم ثم بين سبحانه وتعالى علة النهي عن مباطنتهم فقال تعالى :( لا يألونكم خبالاً ( يعني لا يقصرون ولا يتركون جهدكم فيما يورثكم الشر والفساد وهو الخبال لأن أصل الخبال الفساد والضرر الذي يلحق الإنسان فيورثه نقصان العقل ) ودوا ما عنتم ( أي يودون عنتكم وهو ما يشق عليكم من الضرر والشر والهلاك والعنت المشقة ) قد بدت البغضاء من أفواههم ( أي ظهرت العداوة من أفواقهم بالشتيمة والوقيعة بين المسلمين وقيل هو إطلاع المشركين على أسرار المؤمنين ) وما تخفي صدورهم ( يعني من العداوة والغيظ ) أكبر ( أي أعظم مما يظهرونه ) قد بينا لكم الآيات ( يعني الدالة على وجوب الإخلاص في الدين من موالاة المؤمنين ومعادة الكافرين ) إن كنتم تعقلون ( يعني ما بين لكم فتتعظون به.
آل عمران :( ١١٩ - ١٢٠ ) ها أنتم أولاء...
" ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط " ( قوله تعالى :( ها أنتم ( ها للتنبيه وأنتم كناية للمخاطبين من الذكور ) أولاء ( اسم للمشار إليهم في قوله ) تحبونهم ( والمعنى أنتم إليها المؤمنون تحبون هؤلاء اليهود الذين نهيتكم عن مباطنتهم للأسباب التي بينكم وبينهم من القرابة والرضاع والمصاهرة والحلف ) ولا يحبونكم ( يعني اليهود لما بينكم وبينهم من المخالفة في الدين، وقيل تحبونهم يعني تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء ولا يحبونكم لأنهم يريدون لكم الكفر وهو شر الأشياء لأن فيه هلاك الأبد وقيل هم المنافقون تحبونهم لما أظهروا من الإيمان وأنتم لا تعلمون ما في قلوبهم ولا يحبونكم لأن الكفر ثابت في قلوبهم وقيل تحبونهم