صفحة رقم ٤١٢
خالف رسول الله ( ﷺ ) رأى عبدالله بن أبي ابن سلول شق عليه ذلك وقال لأصحابه أطاع الولدان وعصاني ثم قال لأصحابه إن محمداً إنما يظفر بعدوه بكم وقد وعد أصحابه أن أعداءهم إذا عاينوهم انهزموا فإذا رأيتم أعداءهم فانهزموا أنتم فيتبعونكم فيصير الأمر إلى خلاف ما قاله محمد لأصحابه فلما التقى الجمعان وكان عسكر المسلمين ألفاً وكان المشركون ثلاثة آلاف انخذل عبدالله بن أبي ابن سلول بثلاثمائة من أصحابه من المنافقين وبقي مع رسول الله ( ﷺ ) نحو سبعمائة من أصحابه فقواهم الله تعالى وثبتهم حتى هزموا المشركين.
فلما رأى المؤمنون انهزام المشركين طمعوا في أن تكون هذه الواقعة كوقعة بدر فطلبوا المدبرين وخالفوا أمر رسول الله ( ﷺ ) فأراد الله أن يقطعهم عن هذا الفعل لئلا يقدموا على مثله من مخالفة رسول الله ( ﷺ ) وليعلموا أن ظفرهم يوم بدر إنما كان ببركة طاعة الله وطاعة رسوله.
ثم إن الله تعالى نزع الرعب من قلوب المشركين فكروا راجعين على المسلمين فانهزم المسلمون وبقي رسول الله ( ﷺ ) في جماعة من أصحابه منهم أبو بكر وعلي والعباس وطلحة وسعد وكسرت رباعية رسول الله ( ﷺ ) وشج وجهه يومئذ وكان من أمر غزو أُحد ما كان فذلك قوله تعالى :( وإذ غدوت من أهلك ( أي واذكر إذ غدوت من أهلك يعني منزل عائشة ففيه منقبة عظيمة لعائشة رضي الله عنها لقوله من أهلك فنص الله تعالى على أنها من أهله تبوئ المؤمنين أي تنزل المؤمنين مقاعد للقتال أي مواضع ومواطن للقتال.
وقيل تتخذ عسكراً للقتال ) والله سميع ( يعني لأقوالكم ) عليم ( يعين بنياتكم وضمائركم.
آل عمران :( ١٢٢ - ١٢٥ ) إذ همت طائفتان...
" إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " ( قوله عز وجل :( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ( أي تجبنا وتضعفنا عن القتال والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس كان جناحي العسكر وذلك أن رسول الله ( ﷺ ) خرج إلى أحد مع ألف رجل، وقيل في تسعمائة وخمسين رجلاً وكان المشركون ثلاثة آلاف رجل فلما بلغوا الشوط انخذل عبدالله بن أبي بثلث الناس ورجع في ثلاثمائة وقال علام نقتل أنفسنا وأولادنا فتبعه أبو جابر السلمي وقال أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم فقال عبدالله بن أبي لو نعلم قتالاً لاتبعناكم وهمّت الطائفتان بالانصراف مع عبدالله بن أبي فعصمهم الله فثبتوا ومضوا مع رسول الله ( ﷺ ) قال ابن عباس : أضمروا أن يرجعوا فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا فذكرهم الله عظيم نعمته عليهم فقال : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) والله وليهما ( أي ناصرهما وحافظهما ومتولي أمرهما بالتوفيق والعصمة.
فإن قلت الهم العزم على فعل الشيء والآية تدل على أن الطائفتين قد عزمتا على الفشل وترك القتال وذلك معصية فكيف مدحهما الله تعالى بقوله والله وليهما.
قلت الهم قد يراد به العزم وقد يراد به حديث النفس وإذا كان كذلك فحمل الهم على حديث النفس هنا أولى والله تعالى لا يؤاخذ بحديث النفس ويعضده قول ابن عباس إنهم أضمروا أن يرجعوا فلما عزم الله لهم على الرشد وثبتوا مع رسول الله ( ﷺ ) مدحهم الله تعالى بقوله والله وليهما
( ق ) عن جابر قال : نزلت فينا :( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ( قال نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله والله وليهما ففيه الاستبشار بما حصل لهم من الشرف العظيم، وإنزاله فيهم آياته ناطقة مفصحة بأن الله وليهم وأن تلك الهمة التي هموها ما أخرجتهم من ولاية الله تعالى.
وقوله تعالى :( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( التوكل تفعل من وكل أمره إلى


الصفحة التالية
Icon