صفحة رقم ٤١٤
وأيضاً أن الكفار كانوا يوم بدر ألفاً أو ما يقرب منهم وكان المسلمون على الثلث من ذلك فإنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر فأنزل الله يوم بدر ألفاً من الملائكة في مقابلة عدد الكفار فوقع النصر يومئذٍ للمسلمين والهزيمة للكفار، وكان عدد المسلمين يوم أحد ألفاً وعدد الكفار ثلاثة آلاف فناسب أن يكون المدد يومئذٍ للمسلمين ثلاثة آلاف من الملائكة ليكون ذلك مقابلاً لعدد الكفار كما في يوم بدر.
وأجيب عن الاحتجاج الأول لهذا القول بأن الله تعالى أمدهم يوم بدر ألف كما ذكر في سورة الأنفال ثم لما سمع أصحاب رسول الله ( ﷺ ) بإمداد كرز لكفار قريش شق عليهم وعدوا بأن يمدوا بثلاثة آلاف وبخمسة آلاف لتقوى قلوبهم بذلك.
وأجيب عن الثاني وهو أن الكفار كانوا يوم بدر ألفاً فأنزل الله ألفاً وفي يوم أحد كانوا ثلاثة آلاف فأنزل الله ثلاثة آلاف بأن هذا التقريب حسن لله أن يزيد ما شاء في أي وقت شاء ولهذا قال عكرمة في قوله تعالى :( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ( قال يوم بدر قال ولم يصبروا ولم يتقوا يوم أحد فلم يمدوا ولو أمدوا لم يهزموا يومئذٍ وقيل لم يصبروا ولم يتقوا إلاّ في يوم الأحزاب فأمدهم الله بالملائكة حتى حاصروا قريظة
( ق ) عن عائشة رضي الله عنها قالت :( لما رجع رسول الله ( ﷺ ) من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فقال : قد وضعت السلاح والله ما وضعناه اخرج إليهم قال : فإلى أين ؟ قال ههنا وأشار إلى بني قريظة فخرج النبي ( ﷺ )
( ق ) عن أنس رضي الله عنه قال :( كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم موكب جبريل عليه السلام حين سار رسول الله ( ﷺ ) إلى بني قريظة وقال عبدالله بن أبي أوفى كنا محاصرين قريظة والنضير ما شاء الله فلم يفتح علينا فرجعنا فدعا رسول الله ( ﷺ ) بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبريل عليه السلام فقال : أوضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها فدعا رسول الله ( ﷺ ) بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله ثم نادى فينا فقمنا حتى أتينا قريظة والنضير فيوميذٍ أمدنا الله تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ففتح لنا فتحاً يسيراً ( وقال ابن جرير الطبري : وأولى الأقوال بالصواب أن الله تعالى أخبر عن نبيه ( ﷺ ) انه قال للمؤمنين :( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة ) فوعدهم بثلاثة آلاف من الملائكة مدداً لهم ثم عدهم بخمسة آلاف إن صبروا لأعدائهم واتقوا ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بهم ولا على أنهم لم يمدوا بهم فقد يجوز أن الله أمدهم وقد يجوز أن لا يكون أمدهم ولا يثبت ذلك إلاّ بنص تقوم به الحجة في ذلك.
وقد ثبت بنص القرآن أنهم أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة كما في سورة الأنفال وأما يوم أحد فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها بأنهم أمدوا وذلك أنهم لو أمدوا لم ينهزموا ولم ينل منهم ما نيل منهم.
فإن قلت فما تصنع بحديث سعد بن أبي وقاص المتقدم في يوم أحد وانه رأى ملكين عن يمين النبي ( ﷺ ) وشماله قلت إنما كان ذلك للنبي ( ﷺ ) خاصة لأنه صبر ولم ينهزم كما انهزم أصحابه يوم أحد.
وأما التفسير فقوله تعالى : إذ تقول للمؤمنين فعلى قول من قال : إن هذا كان يوم بدر.
قال نظم الآية ولقد نصركم الله ببدر وأنتم اذلة إذ تقول للمؤمنين ومن قال هذا يوم أحد يقول نظم الآية ان الله ذكر قصة أحد ثم أتبعه بقوله :( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ( فكذلك هو قادر أن ينصركم في سائر المواطن ثم رجع إلى قصة أحد فقال تعالى :( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ( ومعنى الكفاية هو سد الخلة والقيام بالأمر مع بلوغ المراد أن يمدكم ربكم.
الإمداد إعانة الجيش فما كان على جهة القوة والإعانة يقال أمده إمداداً وما كان على جهة الزيادة يقال.


الصفحة التالية
Icon