صفحة رقم ٤٤
) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ( يعني من المعادن والنبات والحيوان والجبال والبحار والمعنى كيف تكفرون بالله وقد خلق لكم ما في الأرض جميعاً لتنتفعوا به في مصالح الدين والدنيا أما مصالح الدين فهو الاعتبار والتفكر في عجائب مخلوقات الله تعالى الدالة على وحدانيته وأما مصالح الدنيا فهو الانتفاع بما خلق فيها ) ثم استوى إلى السماء ( أي قصد وأقبل على خلقها وقيل عمد، وقال ابن عباس : ارتفع وفي رواية عنه صعد.
قال الأزهري معناه صعد أمره وكذا ذكره صاحب المحكم وذلك أن الله تعالى خلق الأرض أولاً هم عمد إلى خلق السماء.
فإن قلت كيف الجمع بين هذا وقوله تعالى :( والأرض بعد ذلك دحاها ( " قلت : الدحو البسط فيحتمل أن الله تعالى خلق جرم الأرض ولم يبسطها ثم خلق السماء وبسط جرم الأرض بعد ذلك، فإن قلت هذا مشكل أيضاً لأن قوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعاً يقتضي أن ذلك لا يكون إلاّ بعد الدحو.
قلت : يحتمل أنه ليس هنا ترتيب وإنما هو على سبيل تعداد النعم كقوله الرجل لمن يذكره ما أنعم به عليه : ألم أعطك ؟ ألم أرفع قدرك عنك ؟ ألم أدفع عنك عنك ؟ ولعل بعض هذه النعم متقدمة على بعض والله أعلم ) فسواهن سبع سموات ( خلقهن سبع سموات مستويات لا صدع فيها ولا فطور وسيأتي ذكر خلق الأرض عند قوله تعالى :( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( " في سورة حم السجدة إن شاء الله تعالى ) وهو بكل شيء عليم ( يعني يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات.
البقرة :( ٣٠ - ٣٢ ) وإذ قال ربك...
" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " ( ) وإذ قال ربك ( أي واذكر يا محمد إذ قال ربك وكل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله، وقيل إذ زائدة والأول أوجه ) للملائكة ( جمع ملك وأصله مألك من المألكة والألوكة وهي لفظ البغوي وهي الرسالة وأراد بالملائكة الذين كانوا في الأرض وذلك أن الله تعالى خلق الأرض والسماء وخلق الملائكة والجن فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن الأرض، فعبدوا دهراً طويلاً، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا وقتلوا، فبعث الله إليهم جناً من الملائكة يقال لهم الجان ورأسهم إبليس وهم خزان الجنان فهبطوا إلى الأرض وطردوا الجن إلى جزائر البحور وشعوب الجبال وسكنوا هم الأرض وخفف الله عنهم العبادة وأعطى الله إبليس ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة، وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علماً فكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب وقال في نفسه : ما أعطاني الله هذا الملك إلاّ لأني أكرم الملائكة عليه فقال له ولجنده ) إني جاعل في الأرض خليفة ( أي إني خالق خليفة يعني بدلاً منكم ورافعكم