صفحة رقم ٥٣
إلاّ الله ( " وقيل أراد بهذا العهد ما أثبته في كتب الأنبياء المتقدمة من وصف محمد ( ﷺ ) وأنه مبعوث في آخر الزمان، وذلك أن الله عهد إلى بني إسرائيل على لسان موسى عليه الصلاة السلام أني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن تبعه وصدق النور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين، وهو قوله :( وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ( " يعني أمر محمد ( ﷺ ) وصفته ) وإياي فارهبون ( أي فخافون في نقضكم العهد ) وآمنوا بما أنزلت ( يعني بالقرآن ) مصدقاً لما معكم ( يعني أن القرآن موافق لما في التوراة من التوحيد والنبوة والأخبار ونعمت النبي ( ﷺ ) فالإيمان بمحمد ( ﷺ ) والقرآن تصديق للتوراة لأن التوراة فيها الإشارة إلى نعت النبي ( ﷺ ) وأنه نبي مبعوث فمن آمن به فقد آمن بما في التوراة ومن كذبه وكفر به فقد كذب التوراة وكفر بها ) ولا تكونوا أول كافر به ( الخطاب لليهود، نزلت في كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود، والمعنى ولا تكونوا يا معشر اليهود أول من كفر به.
فإن قلت كيف جعلوا أول من كفر به وقد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب من أهل مكة وغيرهم ؟ قلت : هذا تعريض لهم والمعنى كان يجب أن تكونوا أول من آمن به لأنكم تعرفون صفته ونعته بخلاف غيركم وكنتم تستفتحون به على الكفار فلما بعث كان أمر اليهود بالعكس.
وقيل معناه ولا تكونوا أول كافر به من اليهود فيتبعكم غيركم على ذلك فتبوءوا بإثمكم وإثم غيركم ممن تبعكم على ذلك ) ولا تشتروا ( أي ولا تستبدلوا ) بآياتي ( أي ببيان صفة محمد ( ﷺ ) التي في التوراة ) ثمناً قليلاً ( أي عوضاً يسيراً من الدنيا لأن الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كالشي اليسير الحقير الذي لا قيمة له والذي كانوا يأخذونه من الدنيا كالشيء اليسير بالنسبة إلى جميعها فهو قليل القليل فلهذا قال الله تعالى :( ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ( وذلك أن كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود وعلماءهم كانوا يصيبون المآكل من سفلتهم وجهالهم وكانوا يأخذون منهم في كل سنة شيئاً معلوماً من زرعهم وثمارهم ونقودهم وضروعهم فخافوا إن بينوا صفة محمد ( ﷺ ) وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه واختاروا الدنيا على الآخرة وأصروا على الكفر ) وإياي فاتقون ( أي فخافون في أمر محمد ( ﷺ ).
والتقوى قريب من معنى الرهبة والفرق بينهما أن الرهبة خوف مع حزن واضطراب والتقوى جعل النفس في وقاية مما تخاف.
قوله عز وجل :( ولا تلبسوا الحق بالباطل ( أي ولا تكتبوا في التوراة ما ليس فيها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم.
وقيل معناه ولا تخلطوا الحق الذي أنزل عليكم من صفة محمد ( ﷺ ) في التوراة الباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته وقيل لا تخلطوا صفة محمد ( ﷺ ) التي هي الحق بالباطل أي بصفة الدجال وذلك أنه أنه لما بعث رسول الله ( ﷺ ) حسده اليهود وقالوا ليس هو الذي ننتظره وإنما هو المسيح ابن داود يعني الدجال وكذبوا فيما قالوا :( وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ( يعني أن محمداً صلى الله