صفحة رقم ٥٥
أن ينفذ موعظته إلى القلوب فإذا خالف قوله فعله كان ذلك سبب تنفير القلوب عن قبول موعظته
( ق ) عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول :( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بل كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ) قوله فتندلق، أي تخرج أقتاب بطنه أي أمعاء بطنه واحدها قتب وروى البغوي بسنده عن أنس قال قال رسول الله ( ﷺ ) :( رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون قيل مثل الذي يعلم الناس والخير ولا يعمل به كالسراج يضي للناس ويحرق نفسه ) وقيل من وعظ بقوله ضاع كلامه، ومن وعظ بعفله نفذت سهامه، ( وقال بعضهم :
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدى
بالقول منك وينفع التعليم
البقرة :( ٤٥ - ٤٩ ) واستعينوا بالصبر والصلاة...
" واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم " ( قوله عز وجل :( واستعينوا بالصبر والصلاة ( قيل إن المخاطبين بهذا هم المؤمنون لأن من ينكر الصلاة والصبر على دين على محمد ( ﷺ ) لا يقال له استعن بالصبر والصلاة فلا جرم وجب صرفه إلى من صدّق محمداً ( ﷺ ) وآمن به.
وقيل يحتمل أن يكون الخطاب لبني إسرائيل لأن صرف الخطاب إلى غيرهم يوجب تفكيك نظم القرآن ولأن اليهود لم ينكروا أصل الصلاة والصبر لكن صلاتهم غير صلاة المؤمنين، فعلى هذا القول أن الله تعالى لما أمرهم بالإيمان بمحمد ( ﷺ ) والتزام شريعته وترك الرياسة وحب الجاه والمال قال لهم استعينوا بالصبر أي بحبس النفس عن اللذات وإن ضممتم إلى ذلك الصلاة هان عليكم ترك ما أنتم فيه من حب الرياسة والجاه والمال.
وعلى القول الأول يكون معنى الآية واستعينوا على حوائجكم إلى الله.
وقيل : على ما يشغلكم من أنواع البلاء.
وقيل : على طلب الآخرة بالصبر وهو حبس النفس عن اللذات وترك المعاصي.
وقيل بالصبر على أداء الفرائض.
وقيل الصبر هو الصوم لأن فيه حبس النفس عن المفطرات وعن سائر اللذات وفيه انكسار النفس والصلاة، أي اجمعوا بين الصبر والصلاة وقيل معناه واستعينوا بالصبر على الصلاة وعلى ما يجب فيها من تصحيح النية وإحضار القلب ومراعاة الأركان والآداب مع الخشوع والخشية، فإن اشتغل بالصلاة ترك ما سواها.
وكان رسول الله ( ﷺ ) إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، أي إذا أهمه امر لجأ إلى الصلاة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه نعي له أخوة قثم وهو في سفره فاسترجع ثم تنحى عن الطريق، فصلى ركعتين أطال فيهما السجود، ثم قام إلى راحلته وهو يقول : فاستعينوا بالصبر والصلاة ) وإنها (


الصفحة التالية
Icon