صفحة رقم ٦٢٦
وإلقاء الشبهات في قلوب الناس وهو قولهم لو كان محمد رسولاً لأتى بكتاب من السماء جملة واحدة كما أتى موسى بالتوراة ) قد ضلوا ضلالاً بعيداً ( يعني عن طريق الهدى ) إن الذين كفروا وظلموا ( يعني كفروا بالله وظلموا محمداً ( ﷺ ) بكتمان صفته وظلموا غيرهم بإلقاء الشبهة في قلوبهم ) لم يكن الله ليغفر لهم ( يعني لمن علم منهم أنهم يموتون على الكفر وقيل معناه لم يكن الله ليستر عليهم قبائح أفعالهم بل يفضحهم في الدنيا ويعاقبهم عليها بالقتل والسبي والجلاء في الآخرة بالنار وهو قوله تعالى :( ولا ليهديهم طريقاً ( يعني ينجون فيه من النار وقيل ولا ليهديهم طريقاً إلى الإسلام لأنه قد سبق في علمه أنهم لا يؤمنون ) إلاّ طريق جهنم ( يعني لكنه تعالى يهديهم إلى طريق يؤدي إلى جهنم وهي اليهودية لما سبق في علمه أنهم أهل لذلك ) خالدين فيها ( يعني في جهنم ) أبداً وكان ذلك على الله سيراً ( يعني هيناً.
قوله عز وجل :( يا أيها الناس ( هذا خطاب عام يدخل فيه جميع الكفار من اليهود والنصارى وعبادة الأصنام وغيرهم وقيل هو خطاب لمشركي العرب ) قد جاءكم الرسول ( يعني محمداً ( ﷺ ) ) بالحق ( يعني بدين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده وقيل جاء بالقرآن الذي هو الحق ) من ربكم ( يعني من عند ربكم ) فآمنوا خيراً لكم ( يعني فآمنوا بما جاءكم به محمد ( ﷺ ) يكن الإيمان بذلك خيراً لكم يعني من الكفر الذي أنتم عليه ) وإن تكفروا ( يعني وإن تجحدوا رسالة محمد ( ﷺ ) وتكذبوا بما جاءكم من الحق من ربكم ) فإن لله ما في السموات والأرض ( يعني فإن الله هو الغني عن إيمانكم لأن له ما في السموات والأرض ملكاً وعبيداً ومن كان كذلك لم يكن محتاجاً إلى شيء وأنه قادر على من يشاء ) وكان الله عليماً ( يعني بما يكون منكم لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده فيجزي كل عامل بعمله ) حكيماً ( يعني في تكليفهم مع علمه بما يكون منكم.
النساء :( ١٧١ ) يا أهل الكتاب...
" يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا " ( قوله عز وجل :( يا أهل الكتاب ( نزلت هذه الآية في النصارى وذلك أن الله تعالى لما أجاب عن شبه اليهود فيما تقدم من الآية اتبع ذلك بإبطال ما تعتقده النصارى وأصناف أربعة : اليعقوبية والملكانية والنسطورية والمرقوسية، فأما اليعقوبية والملكانية فقالوا في عيسى أنه الله وقالت النسطورية إنه ابن الله وقالت المرقوسية ثالث ثلاثة وقيل : إنهم يقولون إن عيسى جوهر واحد ثلاثة أقانيم أقنوم الأب وبأقنوم الابن وأقنوم روح القدس وأنهم يريدون بأقنوم الأب الذات وأقنوم الابن عيسى.
وبأقنوم روح القدس الحياة الحالة فيه فتقديره عندهم الإله ثلاثة، وقيل إنهم يقولون في عيسى ناسوتية وألوهية فناسوتيته من قبل الأم وألوهيته من قبل الأب تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً يقال إن الذين أظهر هذا للنصارى رجل من اليهود يقال له بولص تنصر ودس هذا في دين النصارى ليضلهم بذلك.
وستأتي قصته في سورة التوبة إن شاء الله تعالى وقيل يحتمل أن يكون المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى جميعاً.
فإنهم غلوا في أمر عيسى عليه السلام.
فأما اليهود فإنهم بالغوا في التقصير في أمره حتى حطوه عن منزلته حيث جعلوه مولوداً لغير رشده وغلت النصارى في رفع عيسى عن منزلته ومقداره حيث جعلوه إلهاً فقال الله تعالى رداً عليهم جميعاً يا أهل الكتاب ) لا تغلوا في دينكم ( وأصل الغلو مجاوزة الحد وهو في الدين حرام والمعنى لا تفرطوا في أمر عيسى ولا تحطوه عن منزلته ولا ترفعوه فوق قدره ومنزلته ) ولا تقولوا على الله إلاّ الحق ( يعني لا تقولوا إن له شريكاً وولداً وقيل معناه لا تصفوه