صفحة رقم ٩٤
رضي الله عنه الكتاب لا ينسخ بالسنة المتواترة، واستدل بهذه الآية وهو أنه تعالى قال :( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ( وذلك يفيد أنه تعالى هو الآتي والمؤتي به هو من جنس القرآن، وما كان من جنس القرآن فهو قرآن.
وقوله : نأت بخير منها يفيد أنه هو المنفرد بالإتيان بذلك الخير، وهو القرآن الذي هو كلام الله دون السنة ولأن السنة لا تكون خيراً من القرآن ولا مثله.
واحتج الجمهور على جواز نسخ الكتاب بالسنة بأن آية الوصية للاقربين منسوخة بقوله ( ﷺ ) :( لا وصية لوارث ) أجاب الشافعي رضي الله عنه : بأن هذا ضعيف لأن كون الميراث حقاً للوارث يمنع من صرفه إلى الوصية فثبت أن آية الميراث مانعة من الوصية، وتقرير هذا وبسطه معروف في أصول الفقه.
ثم النسخ في القرآن على وجوه : أحدها ما رفع حكمه وتلاوته كما روى عن أبي إمامة بن سهل : أن قوماً من الصحابة قاموا ليلة ليقرؤوا سورة فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فغدوا إلى النبي ( ﷺ ) فأخبروه فقال رسول الله ( ﷺ ) :( تلك السورة رفعت بتلاوتها وحكمها ) أخرجه البغوي بغير سند.
وقيل : إن سورة الأحزاب كانت مثل سورة البقرة فرفع بعضها تلاوة وحكماً.
الوجه الثاني، ما رفع تلاوته وبقي حكمه مثل آية الرجم روي عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله ( ﷺ ) : إن الله بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها، ووعيناها وعقلناها ورجم رسول الله ( ﷺ ) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
أخرجه مسلم وللبخاري نحوه.
والوجه الثالث ما رفع حكمه وثبت خطه وتلاوته وهو كثير في القرآن، مثل آية الوصية للأقربين نسخت بآية الميراث عند الشافعي وبالسنة عند غيره وآية عدة الوفاة بالحول، نسخت بآية أربعة أشهر وعشراً وآية القتال وهي قوله :( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( " الآية نسخت بقوله :( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً ( " الآية ومثل هذا كثير في القرآن.
وأما معنى الاية فقوله : ما ننسخ من آية أي نرفعها أو نرفع حكمها أو ننسها قرئ بضم النون وكسر السين، ومعناها نثبتها على قلبك وقال ابن عباس : نتركها لا ننسخها.
وقيل : معناه نأمر بتركها فعلى هذا يكون النسخ الأول رفع الحكم، وإقامة غيره مقامه والإنساء نسخ من غير إقامة غيره وقرئ ننسأها بفتح النون والسين وبالهمزة ومعناها : نؤخرها فلا ننزلها أو نرفع تلاوتها ونؤخر حكمها كآية الرجم فعلى هذا يكون النسخ الأول بمعنى رفع التلاوة، والحكم قال سعيد بن المسيب وعطاء : ما ننسخ من آية فهو ما نزل من القرآن جعلاه من نسخت الكتاب إذا نقلته إلى كتاب آخر وننسأها أن نؤخرها ونتركها في اللوح المحفوظ فلا ننزلها ) نأت بخير منها ( أي بما هو أنفع لكم وأسهل عليكم وأكثر لأجوركم وليس معناه ان آية خير من آية لأن كلام الله تعالى كله واحد ) أو مثلها ( أي في المنفعة والثواب فما نسخ إلى الأيسر كان


الصفحة التالية
Icon